Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

لنلعب لعبة “هذه حكايتي”

ليس التاريخ ما مضى ولكن ما انحدر، كما قال الفيلسوف الألماني هايدجر، ولا يقف التاريخ عند الانحدار نحو الحاضر ولكن قد يسبقنا إلى المستقبل إن لم نمسك به، وقد تكون ضريبة التفريط فيه كبيرة جدا.
في سوريا، التي تكاد تخرج من الحرب التي دامت عشر سنوات وما زالت بعض جيوب البلد مشتعلى أو قابلة للاشتعال، وتأسست لدى جهات دولية وإقليمية فكرة القضاء ليس فقط على النظام ولكن على الدولة، في إطار ما يسمى الربيع العربيـ، وقد اعترف رئيس الوزارء القطري السابق بأنهم “رأوا الطريدة وهم يتهاوشوا”، هكذا قالها، في هذا البلد، الذي يلملم جراحه أقامت إحدى دوائر الثقافة أخيرا مسابقة لاختيار أجود الأعمال التي تؤرخ للمرحلة تحت عنوان “هذه حكايتي”.
المشروع يهدف إلى التوثيق لعشر سنوات من الحرب، لأنه بعد مرور الأحداث تبقى بياضات كثيرة تملؤها الأسطورة بعد حين، والأسطورة لا نعني بها هنا الخرافة بل نميزها كثيرا، ولكن اختلاق وقائع تبدو أكثر حقيقة من الواقع نفسه وله قوته وسلطته، ولهذا فالمشروع له هدف هو التعاطي مع الموضوع من حيث التأريخ من الهامش بالإضافة إلى التاريخ الرسمي.
حكايات عن الحرب وعن التشريد وعن سنوات الضياع كل يرويها بطريقته ووفق رؤيته ومن منظوره الخاص، بغرض واحد هو توثيق حكايات كثيرة يمكن أن تكون في يد المؤرخين بالإضافة إلى التوثيق الرسمي وحتى توثيق الخصوم.
ما يهمنا من القصة هو تراثنا. لقد اختارت منظمة اليونيسكو “التبوريدة” تراثا إنسانيا لا ماديا، وحسنا فعلت وإلا كانت الجزائر قد دافعت عن ملكيتها، وهي خطورة جيدة، فالتبوريدة تحكي تاريخا عميقا، وقد روت الأغنية الشعبية كثيرا من ملاحمها، لكن تبقى أيضا هي جزءا من التراث الشفوي تحتاج بدورها من يوثقها.
يمكن أن نعتبر المجهود الذي قام به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مهما يف سياق توثيق التراث الشفوي، لكن مجهود كبير ينتظرنا.
لا أحد مستثنى من هذه العملية، انطلاقا من الإعلام، الذي تحول التاريخ لديه إلى مجرد مادة لجلب القراء أو المشاهدين، وبالتالي لا يوجد بحث عن الجودة والحقيقة التاريخية، أما السينما فهي تقف عند بضعة أحداث تكررها لأغراض غير فنية وغير علمية، وما زال المركز السينمائي مصرا على عدم الأفلام الوثائقية، مما يضطر المشتغلين عليها إلى الاحتيال عن طريق إضافة عناصر متخيلة، وبالتالي تضيع الحقيقة بحثا عن المال، الذي هو في الحقيقة مال عام.
أما الجامعة، فحدّث ولا حرج، حيث انعدمت الرغبة في البحث الكادح، الذي يعتمد الوثيقة كمدخل أول وأصيل في البحث التاريخي، بينما يقوم البعض من خارج المغرب باستغلال وثائقنا ليبرزها بشكل مغلوط ومضلل.
نحن في حاجة إلى نروي حكاياتنا التي تمتد لشعرات السنين قبل أن تندثر مع العصر الرقمي ونصبح بلا تاريخ ونحن نتوفر على أغنى تراث.

Exit mobile version