Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

ما تبقى من 20 فبراير

لا يمكن بأي حال من الأحوال تحنيط وقائع التاريخ، ولا يمكن تحويلها إلى ملكية شخصية مخصوصة بفئة معينة من الناس، ولكن الأحداث التي يكون أثرها بالغا على المجتمع برمته، تبقى ملكا لجميع الناس، وحتى الشخصيات، فلا يمكن مثلا القول بأن امحمد بوستة هو ملك للاستقلاليين وأن اليوسفي ملك للاتحاديين وعصمان ملك للتجمعيين وأحرضان للحركيين، ولكنهم ملك للمجتمع لا بمعنى أنهم أصحاب قداسة، ولكن بمعنى أنهم جزء من هذا التاريخ الذي يسير معنا، ويقودنا نحو المستقبل.

من هذا المنطلق لا يمكن أن تكون حركة 20 فبراير ملكا لجهة أو فئة أو شخوص، ولكنها ملك للمجتمع المغربي، باعتبارها صوت الشارع وصوت الشباب، هذا الصوت الذي سطا عليه الشيوخ وضيعوه وسط الزحام، وغطّت المطالب غير الحقيقية على الحقيقية، وتاه الناس وتشبث البعض بالذكرى بينما القضية ليست ذكرى وإنما صوت في الشارع ارتفع.

تسمية 20 فبراير بالحركة هو من باب المسامحة اللغوية، لأن الحركة في علم الاجتماع السياسي هي ما توفرت على قيادة واضحة وتنظيم ورؤية ومنهج وبرنامج، بينما كانت 20 فبراير شكلا مطلبيا عفويا، انخرط فيه المجتمع، من أجل تحريك المياه الراكدة، فمهما كانت قيمة أية مجتمع ودولة ومهما كان سيرها نحو تجسيد دولة ديمقراطية لكرامة وعزة الإنسان، فإن التدبير اليومي أحيانا يعطل هذا المسير ولابد من الانتباه لذلك.

حركة 20 فبراير كانت منبها، وجمعت في شعاراتها خلاصة المطالب الاجتماعية، وهي المطالب التي استمعت إليها الدولة وكانت استجابة جلالة الملك محمد السادس سريعة جدا، حيث ألقى يوم التاسع من مارس 2011 خطابا وصفته جهات عديدة بأنه خطاب ثوري تفاعلا مع نبض الشارع، وبينما كان المطلب الحقيقي لحركة 20 فبراير اجتماعيا جاءت الاستجابة سياسية لأن تغيير الدستور وآليات إنتاجه تعتبر مدخلا حقيقيا للتغيير على المستوى الاجتماعي.

دستور تم إنجازه بطريقة جديدة من خلال آلية الإنصات، حيث استمعت لكل الأحزاب الصغيرة والكبيرة وللمجتمع المدني وحتى لبعض الفعاليات، التي برزت بشكل كبير خلال حركة 20 فبراير، وتم الاستماع للجميع، وتم إلغاء بعض الأمور التي كان بالإمكان أن يتضمنها الدستور لأن قوى سياسية واجتماعية عارضتها، ولأن الدستور توافقي وهو وثيقة سامية لتأطير الدولة والمجتمع تم تأجيلها إلى دورة تاريخية جديدة في المستقبل.

طبعا لا يمكن أن ترضي الجميع، خصوصا أصحاب الفهم الميكانيكي لقضايا السياسة والاجتماع، الذين لا يربطون بين تطور الفكر السياسي وتطور الواقع الاجتماعي بل التحولات التي يعيش عليها المجتمع تعتبر حاسمة وحاكمة في أي تغيير على مستوى نمط الحكم وآلياته، وحتى القوانين هي مؤطرة بالتطور الدي يعرفه المجتمع، لأن القوانين بالنتيجة تحمي المجتمع وتحمي الناس بعضهم من بعض حتى يتم تدبير الاختلاف وتدبير الطموحات بشكل سلسل.

20 فبراير ذكرى مجتمع يسير دون أن ينظر إلى الوراء. مجتمع ربح من هذا الزمن دستورا متقدما وآليات حماية كبرى.

 

Exit mobile version