Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

معتقل سابق يكتب عن مراجعات الجهاديين المغاربة (1/3)

 

نورالدين الحاتمي

 

 

على غرار باقي دول العالم، عرف المغرب نموذجا متشددا من الإسلام ، وشهد نمطا صلبا من التدين، تمثل فيما اصطلح عليه[[ بالسلفية الجهادية  ]] وهو النموذج، الذي يعود التعريف والتبشير به إلى الأفغان المغاربة، حيث يقولون انهم، هم الذين نقلوه إلى المغرب بعد أن كانوا تعرفوا عليه، في بيشاور وافغانستان.

وتماما كما في باقي الدول العربية والاسلامية، التي عرفت هذه الظاهرة، سيعمد جمع من الاسلاميين المغاربة ـ المنتسبين إلى هذا المنهج ـ الى القيام بمراجعات شاملة لمنظوماتهم الفقهية والعقدية والفكرية ،التي كانوا قد تبنوها وجعلوها مصادر رؤاهم ومرجعياتهم.

ان تجارب الاسلاميين في المغرب نماذج مستنسخة من اصولها  في مصر والشرق الأوسط، وربما كان الفرق الوحيد بينهما ان التيار الجهادي في مصر اصيل انبثق فيها نتيجة سياقات وشروط اجتماعية وسياسية محلية، في حين ان التيار المغربي تأسس في المغرب كتقليد للنموذج الاصيل، وكتشبه به. فما الذي حمل المغاربة على تبني هذا الفكر الاصولي المتشدد ؟ وما الذي حملهم ايضا على الخروج عليه والتبرؤ منه؟ هل كان تبرؤهم من هذا الفكر تبرؤا صادقا؟ وهل هو نتيجة نضج وتطور فكريين كما يدعي اصحابها؟ وبين هذا وذاك كيف كانت نخبة التيار السلفي الجهادي في المغرب تنظر الى المراجعات التي كانت قد صدرت وتصدر عن اساتذتهم في مصر؟ وهل النخبة المثقفة عند هذا التيارـ في المغرب ـ مثقفة بما يكفي للإسهام في التأصيل لهذا الفكر أو القيام بمراجعاته ؟

 

يقول غير واحد من المغاربة الافغان، انهم هم الذين يقفون وراء التعريف بالمنهج السلفي الجهادي والتبشير به ، حيث كانوا قد تعرفوا عليه من خلال احتكاكهم بأعلام  ورموز التجربة الجهادية المصرية، في المعسكرات الأفغانية، وتلقيهم عنهم و تتلمذهم عليهم.

صحيح انهم لم يدعوا اليه، كمذهب مكتمل الاركان وواضح المعالم ،إلا أنهم هم الذين وضعوا حجره الاساس ولبنته الاولى. وان المنهج هذا، لم تتبد صورته ولم تلح ـ كما هي اليوم ـ إلا بعد ان تعرف المغاربة على كتابات ابي قتادة الفلسطيني وابي بصير الطرطوسي وسيد امام الشريف و… واشرطتهم التي كان يتم تداولها بقدر من السرية والتكتم .

دور الشيوخ المغاربة في صياغة المنهج والتأطير به.

كي يصبح الرجل شيخا[ في السلفية الجهادية] لا يلزمه الكثير،يلزمه، فقط ،أن يكون على قدر من فصاحة اللسان أوان يطلع  ويستوعب الادلة ،التي يعتمد عليها التيار، في الموقف من الدولة والحكم عليها ككيان  طاغوتي، يجب الكفر به والدعوة والعمل على الاطاحة به واسقاطه،  واستظهار مجموعة من النصوص الدينية المتعلقة بالولاء والبراء، واعتبار الجماعات والطوائف العاملة للإسلام جماعات بدعية ومنحرفة ، يجب البراءة منها، وتكفيرها في حالات. وتتبع اخبار الجهاد وممارسيه والاعلان عن موالاتهم والبراءة من خصومهم واعدائهم .

و يتقدم في السلم، اذا كان على اطلاع ومعرفة بعقائد الشيوخ الاخرين، ويمتلك الادلة على التشكيك في إخلاصهم  واتهامهم ،واذا كان محظوظا وقدر له ان يعتلي المنبر ويخطب في الناس، بهذه المواضع، فقد بلغ المنتهى وصار أيقونة .

هذا الكلام، على طوله ضروري، للخلوص، الى ان النخبة المثقفة في هذا التيار لم تكن مثقفة، في الغالب ،الا في هذه القضايا . ولم يكونوا يحسنون القول والكلام الا في هذه القضايا بالذات . وأنه كان، فيهم ، من اذا سحب الى خارج هذه القضايا، انكشف جهله وافتضح امره .

والقضايا، التي كانوا يزايدون فيها، لم يكونوا يعرفون فيها، وعنها، إلا بقدر ما يطلعون عليه، مما يتوصلون به، من انتاجات المشارقة وكتاباتهم، وهم لا يختلفون في إدراك هذا المنهج والوعي به، عن الذين يقرأون ويتابعون نفس المراجع،من عدد من الشباب .

وإنما تفوقوا عليهم بما نالوا من الحظ في اعتلاء المنابر والقاء الخطب على الناس، مما مكنهم من الاشتهار، و كان مما يكرس  هذا التفوق، ان الكتب التي كان يتم ادخالها الى المغرب، شارحة للمنهج ومؤصلة له، كانت تحمل اليهم قبل غيرهم ،مما يمنحهم فرصة التعالم على الناس والمزايدة عليهم .

إذن، لم يكن هؤلاء نخبة مثقفة كما يروج البعض، ولم يكونوا شيوخا علماء كما يدعون هم .وانما كانوا ـ في واقع الامرـ اناسا، لعب الحظ معهم،وتهيأت لهم فرص صعدت بها اسهمهم وتضخمت بها حساباتهم ،وسلطت عليهم الكثير من الضوء.

هل كان هؤلاء الشيوخ شيوخا جهاديين؟

من استفاد من الاخر؟ الشيوخ ام السلفية؟ لقد كانت بداية كل واحد، ممن أصبحوا شيوخا، اعلان الحرب على شهير، طمعا في الاستفادة من شهرته. إذ الراد على الشهير ادعى ان يجعل الراد مشهورا بشهرة المردود عليه.

وهكذا لم يعرف المهتمون بالشأن الاسلامي محمد الفزازي الا من خلال كتابه[[ رسالة الاسلام الى مرشد جماعة العدل والاحسان ]] ولم يتعرفوا على عمر الحدوشي الا من خلال كتابه [[الجهل والاجرام في حزب العدل والاحسان]] ولم يتعرفوا على عبد الكريم الشاذلي الا من خلال كتيباته، التي اوقفها على الرد عن مرجئة العصر والذب عن معتقد اهل السنة.

لقد ادرك هؤلاء، انه لا سبيل الى الاشتهار، إلا عن طريق مخالفة السائد والخروج عليه، بل والعمل على ابطاله .وبما أن السائد، كان هو التصوف والاسلام السياسي ممثلا في جماعة العدل والاحسان وحركة التوحيد والاصلاح والسلفية التقليدية والعلمية، فإنه لم يكن ممكنا للرد على هؤلاء والتصدي لهم وتفنيد افكارهم، للفت الانتباه والانظار، إلا تبني هذا النموذج البكر وهذه المنظومة العذراء ، والتوسل بأسلحتها المفهومية والنظرية.

وكان ،مما ساهم في تبني هؤلاء لهذا المثال الإديولوجي، ما كان تحقق له من الزخم والوهج على يد مؤسسيه ورجالاته، وبفعل الاعمال الخطيرة التي وقعوها، وبفعل المغامرات التي اقدموا عليها ،حتى هيمنوا على المشهد الاعلامي العالمي ،واصبح لهم حضور قوي في الخطاب السياسي والأمني على مستوى الدول.

تريد الورقة القول، ان الشيوخ المنتسبين الى التيار، لم يكونوا جهاديين بمعنى جهاديين، أي عقائديين .

لقد كانوا يوظفون هذا المنهج لصالحهم، وبما يلائم تطلعاتهم ورهاناتهم عليه، ويبدو ذلك من خلال ما يستقى من كتابات محمد عبد الوهاب رفيقي في [[مراجعات لا تراجعات ]] التي كان يكتبها لليوم اربعة وعشرين، حيث قال أن احد الشيوخ نصحه أن لا يفتي إلا بما تريده الناس، وليس وفق ما يؤمن به أو يعتقده،حتى لا ينفض الناس  عنهم الحلقة 17بتاريخ11 07 2015

وذكر في ذات الحلقة، أنه نفسه كان يخفي قناعاته ، كموقفه من تارك الصلاة الذي لم يكن يختلف عن موقف جمهور العلماء، اي التوقف عن تكفيره.

لقد كانت السلفية الجهادية بناء من اختيارات فقهية متشددة ومتصلبة، وقع الاختيار عليها من قبل نخبة الاسلاميين، في كل من مصر والشرق الاوسط .ولم للمغاربة، اي فضل أو دور في التأصيل والتقعيد لها، وانما سعوا الى الركوب على[ امجاد] بنائها ورجالها.    خصوصا إذا وضعنا بعين الاعتبار أن السلفية الجهادية  تنمرت وخرجت عن السيطرة ولم يعد سهلا التحكم فيها ولا التنبؤ بأفعال وردود أفعال المؤمنين المنتسبين إليها.

سيكون هذا الكلام ضروريا ،لأنه سيشرح سرعة تحول هؤلاء الشيوخ عن هذا المنهج  وانسلاخهم منه.

موقف شيوخ التيار الجهادي في المغرب من مراجعات الجهاديين المصريين

لم يوثق مثقفو المنهج السلفي الجهادي، في المغرب، موقفهم من المراجعات التي صدرت عن القيادات التاريخية للجماعة الاسلامية المصرية، ولكن ،بالتأكيد، كان موقفهم لا يختلف عن موقف الذين يرفضونها ،تحت ذريعة التشكيك في نسبتها الى اصحابها، والادعاء[ أن الاسير لا رأي له] كما يقول الفقهاء.وهي القاعدة ،التي لم يكونوا يفترون عن ترديدها،أو القول أنهم كتبوها تحت ظروف قاسية، أي تحت الإكراه.

وكان منهم من يقول أن الذين كتبوها تراجعوا لضعف لحقهم، ولتخاذل أصابهم ، وأن هذا التراجع اختبار تقتضيه الحكمة الالهية من الابتلاء، اي تصفية الصفوف وتطهيرها من المخذلين والمرجفين والمثبطين.

لقد كان موقف النخبة السلفية الجهادية في المغرب من تلك المراجعات هو الرفض والتنديد، تبعا لموقف باقي القيادات في الخارج، بل ولم يكونوا يكلفون انفسهم حتى قراءة رسائل وكتب هؤلاء القائمين على تلك المراجعات والإطلاع عليها

وتأييدهم للقاعدة  وإشادتهم بعملياتها ـ في داخل الدول العربية والاسلامية و خارجهاـ دليل واضح على رفضهم لتلك المراجعات.

ارهاصات المراجعات عند الاسلاميين في المغرب

عام او يزيد قليلا على بدء الاعتقالات بسبب احداث 16 ماي،  سيشرع بعض المعتقلين الاسلاميين في إعادة النظر في منظومتهم الاديولوجية، وسيشرعون في طرح الاسئلة بشأنها،وهكذا صاروا يتحدثون عن ضرورة القيام بحركة تصحيحية للسلفية الجهادية وكانوا يرجون منها، التمكن من فتح حوار مع الدولة.

تمثلت تلك المحاولات المتعثرة في عدد من المبادرات،حملت ذات العنوان اي من اجل الحوار والمصالحة مع الدولة.

صحيح ان هذا بدأ باحتشام ، على استحياء وتخوف من ردود افعال سلبية، من قبل المعتقلين، لكنه شق الطريق في هذا الاتجاه ، وساهم في تعبيدها ،حتى اصبح المعتقلون يتجرؤون على مناقشته  والانخراط فيه .

وكان هذا أن اسفر عن بدء تمايز الصفوف بين السجناء الاسلاميين، وانقسامهم بين مؤيد للمصالحة مع الدولة والحوار معها، وبين رافض لها مندد بها .

أعقب ذلك اعلان بعض طلبة العلم الشرعي قيامهم بهذه المراجعات ، وتدوينها في سلسلة مقالات تناولوا فيها الخروج على الحاكم واستعمال العنف وقتل السياح وغيرها ، ونقلوا فيها ذات الادلة التي تناولها غيرهم، لأنهم ، ليس بمقدورهم اكثر من ذلك.

وقد كانت هذه المراجعات، او قل التراجعات، تتم من طرف واحد، ولا تعني الا اصحابها والمنخرطين فيها. أما الدولة فقد كانت غير معنية بها نهائيا، بل كانت تشكك في صدق هذه النوايا، التي يسعى المعتقلون الى ابرازها ،في سياق قيامهم بهذه المراجعات، على غرار الجماعة الاسلامية في مصر والجماعة الاسلامية في ليبيا ، و وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم التي كتبها الفقيه الاول والعالم الابرز في التيار الجهادي سيد امام الشريف.

ومع مضي الوقت في السجون، بدأ السجناء ينفتحون على الكتابات التي اندرجت تحت مسمى المراجعات، و بدؤوا يتشجعون على البث فيها  واعادة قراءتها ، بعين، غير تلك التي كانوا ينظرون بها اليها في السابق، حيث لعب تواجدهم رهن الاعتقال  ووراء القضبان دورا مهما في تغيير قراءاتهم لتلك المراجعات وتبنيهم لها.

والحقيقة ،أن تلك الكتابات كان في مكنتها أن تمدهم بمبررات تراجعهم عما كانوا عليه   والتبرؤ منه، وذلك بفضل ما كانت تحتوي عليه من التأصيل العلمي القوي لفكرة المراجعات.

وينبغي عدم تجاهل أن السلفية الجهادية ،في المغرب، كانت تعاني فقرا مدقعا، من حيث الكوادر والمثقفين، القادرين على التنظير لها والإسهام في التقعيد والتأصيل لها. ولذلك، كانواـ لا يزالون ـ مجرد تلاميذ للأساتذة في مصر والشرق الأوسط،ولذلك حتى في المراجعات او التراجعات لا بد ان يكونوا تلاميذ لهؤلاء الأساتذة أيضا. ولا ننتظر منهم التأصيل لهذا الانقلاب.

Exit mobile version