كشف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، في إحاطة رسمية قدّمها أمام مجلس الأمن الدولي، عن معطيات قد تُشكل تحوّلاً نوعياً في مسار النزاع الإقليمي، في مقدمتها تجديد الولايات المتحدة دعمها القوي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، مع تأكيد نيتها الانخراط بشكل مباشر في جهود التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه.
وتأتي هذه المستجدات بعد زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى واشنطن في 8 أبريل الجاري، والتي تكللت بإعلان وزير الخارجية الأمريكي، روبيرو، عن تمسك بلاده بمبادرة الحكم الذاتي التي وصفها بـ”الجدية”، معتبراً إياها أساساً لحل دائم، ومؤكداً عزم إدارة الرئيس الأمريكي على لعب دور فاعل في تسهيل هذا المسار تحت إشراف الأمم المتحدة.
و اشار دي ميستورا الى خيبة أمله من غياب تقدم ملموس، رغم مرور خمسين عاماً على إدراج قضية الصحراء ضمن أجندة الأمم المتحدة. ومع ذلك، اعتبر أن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة لاختبار إرادة الأطراف الدولية، داعياً إلى مشاركة فعالة من أعضاء مجلس الأمن، وخصوصاً الأعضاء الدائمين، في أفق تحقيق اختراق محتمل قبيل الدورة .
و لفت دي ميستورا الانتباه إلى تزامن الحركتين الدبلوماسيتين لكل من الولايات المتحدة وفرنسا، مشيراً إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان بارو إلى الجزائر يوم 6 أبريل، عقب اتصال بين الرئيسين ماكرون وتبون. ورغم غياب الإشارة العلنية إلى ملف الصحراء، اعتبر دي ميستورا هذا التزامن مؤشراً على اهتمام متجدد من القوى الكبرى، لكنه في الوقت ذاته نبّه إلى استمرار القطيعة بين الجزائر والمغرب، وتفاقم سباق التسلح، وغياب أفق للتهدئة.
الرسائل الأمريكية الثلاث: وضوح، تفاوض، وانخراط مباشر
أبرز دي ميستورا خلال الإحاطة ثلاث رسائل رئيسية استخلصها من الحراك الأمريكي أولاها، ضرورة أن يكون الحكم الذاتي “حقيقياً ومفصلاً”، مع توضيح دقيق لصلاحيات الإدارة المحلية في الأقاليم الجنوبية ثانيها، ضرورة التوصل إلى حل مقبول من الطرفين، بما يستوجب مفاوضات حقيقية ، أما ثالثها، فهي إعلان واشنطن رغبتها في الانخراط المباشر لدعم العملية السياسية، في انسجام مع جهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
و جدّد المغرب موقفه الرافض لأي تعديل أو توسعة لمضامين المبادرة خارج إطارها الأصلي، مؤكداً أنها ليست أرضية تفاوض، بل تمثل تصوراً سيادياً نهائياً.
و زار دي ميستورا كلاً من المغرب، موريتانيا، الجزائر، ومخيمات تندوف. وأوضح أن المغرب جدّد تمسكه بمبادرته، فيما استمع إلى مواقف جبهة البوليساريو والسلطات الجزائرية. أما موريتانيا، فجدّدت التزامها بـ”الحياد الإيجابي” واستعدادها لدعم أي تسوية سياسية.
ووجّه دي ميستورا تحذيراً شديد اللهجة بشأن تدهور الأوضاع في مخيمات تندوف، مشيراً إلى أن برنامج الأغذية العالمي حذّر من احتمال توقف المساعدات الغذائية كلياً خلال الصيف بسبب نقص التمويل. ونقل المبعوث الأممي شهادة شابة من المخيمات قالت: “ولدت هنا، وعشت هنا؛ لكن لا أريد أن أُدفن هنا. أريد أن أرى وطني، وأدفن هناك”.
و شدد دي ميستورا على أهمية استمرار دعمها اللوجستي والمالي، محذراً من أن فقدان أي عنصر من عناصر الأمم المتحدة في المنطقة قد يجعل من الصعب إعادة ترسيخه لاحقاً.
واختتم دي ميستورا إحاطته بالتأكيد على ضرورة إشراك النساء في أي عملية سياسية مقبلة، مشدداً على أن مشاركتهن يجب أن تكون جوهرية لا رمزية، كجزء من عملية بناء مستقبل مستدام في المنطقة.