Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

من يَستخفّ بقيمة الحياة فلا حقَّ له فيها؟

محمد فارس

لكنْ ما هي الحياة التي يهبُها الله ويأخذُها متى وأنّى شاء، وحرّم قَتْلها بغير حقّ؟ قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: [الجسدُ بناءُ الله، فمَن هدمَه، هدمَه الله].. فمن يقتُل بغير حقّ ملعونٌ في كتاب الله، وله عذابٌ أليم، وعلى من يُؤْمنون بالله أن ينفّذوا حكمَه سبحانه وتعالى في حقّ قاتلِ النفس بغير حقّ دون أن تأخذَنا به شفقةٌ أو رحمةٌ.. فما هي [الحياة] في نظر اللُّغويين، والفلاسفة، والمفكّرين؟ [الحياة] في اللّغة نقيضُ الموت، وهي النّمو، والبقاء، والمنفعة.. والحيّ من كلّ شيء، نقيضُ الميِّت، والحيّ أيضًا كل متكلّمٍ ناطق، وفسّروا قوله تعالى: [وما يَسْتَوي الأحياءُ ولا الأموات] بقولهم: (الحيّ هو الـمُؤمن، والميّتُ هو الكافر، ومَن قُتِل في سبيل الله، لا يجوز أن يُقال له ميّت، ولكن يقالُ له شهيد، وهو عند الله حيّ)؛ ويقال أيضًا: ليس لفلان حياة: أي ليس عنده نفع، ولا خيْر.. وما أكثر الذين تحسبُهم أحياء وهم أموات، تُصنَع بهمُ الأحداث ولا يَصْنعونها..
من القدماء من يَرى أنّ من شروط الحيّ أن تكونَ له بنية، وهي الجسم المركّب من العناصر على وجهٍ يَحصُل من تركيبها مزاج مُعتدِل.. والبنيةُ عندهم مجموع جواهر فردة، لا يمكن تركيبُ البدنِ بغيرها؛ ومنهم من يرى أنّ الحياةَ يجوز أن تخلقَ في كلّ واحد من الأجزاء التي لا تتجزَّأ، فما من موجود إلاّ وهو حيّ، لأنّ وجودَه عيْن حياتِه، وعلى ذلك فالحياةُ هي الوجود، وهي تعمُّ المعاني، والهيئات، والأشكال، والصّور، والأقوال، والأعمال، والمعادن، والنّباتات، وغير ذلك.. أمّا علماءُ الحياة المتأخّرون، فيرون أنّ الحياةَ هي مجموع ما يُشاهَد في الحيوانات، والنباتات من مميّزات تُفرّق بيْنَها وبيْن الجمادات، وإذا أُطْلقت الحياة على مجموع ما يشاهد في الحيّ من مميّزات كالتّغذية والنّمو، وغيْر ذلك، كان لها بالنسبة إليه ابتداء وانتهاء، فبدايتُها الولادةُ ونهايتُها الموتُ، وتختلف مدّتُها باختلاف الأشخاص، وهي أمورٌ يتحكّم فيها الله عزّ وجلّ، ولا يجوز لأحد التّدخُّل فيها بالقتل أو العَفْو عن قاتلٍ بأيّ مبرّرٍ كان أو ذريعة، فالحياة يهبُها الله ويأخذها الله ويُقال: الله أعطى، والله أخذ..
على أنّ الحياةَ قد تُطلقُ مجازًا على تاريخ الفرد، وسيرته، فتقول: حياةُ سُقراط، وتَعني بذلك مجموع ما اشتملتْ عليه سيرتُه من مميِّزات، وقد تُطْلق على تاريخ الأمة أي على مجموع ما يُشاهَد في ماضيها من الاعتقادات، والتقاليد، والعادات، وأنماط المعيشة، وأحوال العمران.. فكلّ مجموع من الظواهر يشاهَد فيها مميّزات شبيهة بمميّزات الموجودات المعضّاة، يسَمّى حياة، كالحياة الفكرية، والحياة الاجتماعية، والحياة الفنّية، والحياة الأدبية، وحياةِ الألفاظ وغيْرها.. وللفلاسفة في تعليل ظواهر الحياة، آراء مختلفة: فالمادّيون يَجْعلون الحياةَ نتيجة للأسباب الفيزيائية والكيميائية؛ والحيَوِيُون يقولون إنّ الحياةَ قوّة طبيعية مستقلّة عن القِوى الفيزيائية والكيميائية، وأنّ هذه القوة عِلّة ما نشاهده في الحيوانات والنّباتات من مميّزات.. والإحيائيون يرون أنّ ما يشاهد في الأشياء من ظواهر الحياة يرجع إلى قوة الأحياء، وهي النّفس، ويُسمى مذهبُهم بمذهب الحياتية (Animisme)؛ وفي القرآن الكريم، يقول عزّ وجلّ: [يَسْأَلونكَ عن الرّوح، قل إنّما الرّوحُ من أمْرِ ربّي، وما أُوتيتُم من العِلم إلاّ قليلا] صدق الله العظيم.
والحياةُ في الكتاب المقدّس، تُفيد مَعْنَييْن: أحدُهما طبيعي، والآخرُ روحي؛ فأمّا المعنى الأول فيُقصدُ به الحياة الطّبيعية أو مدّة الإنسان على الأرض، ومنه أخِذت الاصطلاحات الآتية: شجرة الحياة، وخبزُ الحياة، وماءُ الحياة؛ وأمّا المعنى الثاني فيُراد به السّيرةُ الأبدية الـمُناقضة لكلّ ما هو حيواني، من قبيل ذلك قولُه: الحياةُ هي الخير، والموتُ هو الشّر؛ وقوله: الحياةُ الأبديةُ هي البقاء عند الله، وقولُه في (الأمثال) من (12 إلى 28): في سبيل البرّ حياة؛ وقولُه في (إنجيل يوحنّا) من (11 إلى 25): أنا القيامة والحياة، من آمنَ بي ولو مات، فسيَحْيا؛ وقولُه في (إنجيل يوحنّا) أيضًا من (06 إلى 14): أنا الطّريق، والحقّ، والحياة.. و(الإنجيل) يحرّم قتْلَ النّفس بغير حقّ، فيقول بصيغة النّهي المطْلق: [tu ne tueras point]، أيْ [لا تَقتُلْ!]؛ وإذا كانت بعض الدّول المسيحية، كاثوليكيةً كانت أو أُرثوذُكسية، أو بروتيستانتية قد ألغتْ عقوبة الإعدام بذريعة الحقّ في الحياة، فإنّ مردّ ذلك إلى أنّ هناك سياسيين من صُنّاع القرار أصبحوا لا دينيين بفعل تأثيرِ الصّهيومسيحية التي تَغَلْغَلَتْ في هذه الدّول فغيّرتْ قوانينَها حتى صار الحقّ في الحياة للقاتل، وضاعَ حقُّ المقتول، بل ضاعت تِباعًا حقوقُ الأمّةِ في الحياة، لأنّ قاتلَ النفس بغيْر حقّ كأنّما يقتُل النّاسَ جميعًا كما يُستفادُ من القرآن الكريم.. فأنتَ ترى الآن أطفالاً يُغتصبون، ويُقْتلون بعْد التّمثيل بِجُثَثِهم، فيُحْكَم على القاتل بالإعدام، وهو إعدامٌ لا يُنفّذ أبدًا، بل يسْكنُ القاتِلُ في سجن صار أشْبَه بفندق فيه كلّ شروط الحياة الكريمة من تغذية، وترفيه، وتغطية صحّية، مع زيارات منظمات هدْم العروش، وجمعيات مدافعة عن القتلة، ومع ذلك يتحدّثون عن حماية الطّفولة، فيما هذه الطّفولة تُغْتصَبُ، وتُقْتلُ، وهذه جمعيات مدافعة عن الطّفل تتحرَّكُ عند كلّ جريمة نكراء، فتسقُط كلُّها في (الـمُناسَباتية)، ثمّ تَصْمُت إلى أن تَحدُث جريمةٌ جديدة، ويُفتح المجالُ لمناسبةٍ جديدة، بدلاً من أن تناضل من أجل تنفيذ الإعدام حفاظًا على قيمة الحياةِ الحقيقية..

Exit mobile version