Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

نظام الحكم الذاتي بالاقاليم الجنوبية للمملكة: اطار لإنهاء النزاع المفتعل وإشكالية ردود الأفعال الدولية والاقليمية

د. احمد درداري*
يعتبر نظام الحكم الذاتي بالاقاليم الجنوبية للمملكة اطار لإنهاء النزاع المفتعل وإشكالية ردود الأفعال الدولية والاقليمية وذلك انطلاقا من المعطيات التالية:
– ثابت سيادية الترافع ومتغير سياسية الاقناع والتفاوض تسير قضية الصحراء المغربية نحو بناء نظام للحكم الذاتي خاص بالأقاليم الجنوبية للمملكة، بشكل رصين وواعي مع مراعاة متغيرات وفرضيات ترتبط بنماذج دولية لأنظمة الحكم الذاتي المبنية على ربط الواقع بالمأمول ومنها:
– المزج بين ديمقراطية النظام السياسي وديمقراطية الحكم الذاتي برابط منهجية اندماج الانفصاليين.
– رزمانة حقوق الإنسان كتحفيزات مغرية ولا تتوفر لدى الخصوم.
– توقع ورصد الأثار المتبادلة بين البيئة الخارجية والداخلية لأي خيار خارج إطار الحكم الذاتي التوافقي.
– نجاعة النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة الذي غير الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للساكنة.
– غموض مستقبل العلاقات الدولية واحتمال زيادة الصعوبات والتعقيدات، وما تفرضه من نسبية التعامل معها بطرق مختلفة، لكون مؤشراتها راديكالية، وتتوزع بين خيار الحرب ووضعية الجمود وما يتخللها من إمكانيات تقسيم جديد للعالم.
– دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن اللذين ما فتئ يؤثثان للموضوع بين الفينة والأخرى بقرارات ومواقف فوقية.
لذا فالتساؤل المطروح هو ما السبيل للتوصل الى إطار توافقي لنظام الحكم الذاتي؟
لإنهاء النزاع وطي الصراع واحتواء مرتكزات الموضوع هناك مقاربات ومنها:
ان المغرب الرسمي والموازي يبذل كل الجهود وبكل الطرق لتغيير وضعية الجمود من خلال تغيير طريقة الاتصال والتفاعل مع الخصوم مع التأكيد على التكلفة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للوضع بما في ذلك فعاليات المجتمع المدني، النخب، الأحزاب… الخ.
فقد يكون لردود فعل المكونات الاجتماعية الاخرى تأثير إزاء التغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، وقد تؤثر هياكل النخبة السياسية سلبا عليها دون اشراكها، وتبقى متحفظة دون إظهار ذلك، لذا يجب اشراك شيوخ القبائل الصحراوية نظرا لمكانتها الرمزية والفعلية في توجيه أبناء القبائل.
الوقوف على الجهات التي تؤجج الصراعات المغاربية خصوصا فرنسا، واعادة النظر في العوامل التكاملية من قبيل الاتحاد المغاربي والتبادلات التجارية، فضلا عن تأثير الأوضاع السياسية الداخلية على الأزمات الداخلية للدول المغاربية، والتصدي لتصدير الأزمات الداخلية إلى أقرب جار ممكن لعرقلة التقدم، والحفاظ على تقارب مستوى التخلف. بناء على الاستنتاجات الراهنة للعلاقات المغربية الجزائرية التي تعرف غلقا للحدود البرية، إضافة الى تهريب المخدرات والمتاجرة بها على الشريط الحدودي والخوف من فتح الحدود لزعزعة استقرار الجزائر في ظل الأوضاع الإقليمية المضطربة، اضافة الى وضعية التوتر على الحدود.
الغياب الكلي لقنوات الاتصال المباشر وغير المباشر، وانسداد أفاق التعاون بين المغرب والجزائر، وتهييج دبلوماسيتها ضد المغرب، ليستمر الوضع على ما هو عليه، بواسطة الحرب الدبلوماسية والصراعات البوليميكية والإعلامية، ونهج ديبلوماسية وقائية خوفا من تأجيج الوضعية الداخلية التي قد يؤدي الى استنزاف طاقة النظام الداخلية عن طريق التحاق زعماء بالمغرب ومساندتهم للطرح الوحدوي، بل والدفاع عنه في المنظمات الدولية والمنتديات العالمية وفضح مختلف التجاوزات الإنسانية الممارسة في تندوف و يسهل بذلك استمالة ود الجزائر أو على الأقل تغيير وجهتها من الانحياز إلى الحياد النسبي، في انتظار تغير النخبة الحاكمة الخاضعة لقبضة عسكرية محكمة.
ان المغرب في ظل المكاسب الديبلوماسية التي راكمها بدءا باسترجاع أقاليمه الجنوبية واخراجها من التأخر التنموي وتمكنه من قلب ميزان القوى داخل الاتحاد الإفريقي، ونجاحة الديبلوماسي في تقزيم نفوذ جبهة “البوليساريو” في معظم دول أمريكا اللاتينية وسحب الاعتراف لعدد كبير من الدول بالجمهورية الوهمية، خصوصا القرار الامريكي والاعتراف الاسباني والألماني والبرتغالي، وفتح 30 قنصلية بكل من العيون والداخلة … وفي ظل تكريس موقع المغرب كواحة اعتدال واستقرار في شمال إفريقيا وترسيخ صورته كبلد منخرط بمسؤولية في مسيرة الانتقال الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان يتبين أن المشروع الانفصالي قد أصبح معه الأمل مفقودا في إعادة بعثه.
فعزل المغرب لجبهة “البوليساريو” دوليا، من خلال السحب المتوالي للدول الوازنة لاعترافها بالجمهورية الصحراوية المزعومة مستندا في ذلك على الإجماع الوطني المساند لمقترح الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية، والدفاع عنه في مختلف المناسبات الدولية وبنفس الكيفية، ومن خلال تزايد التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي، استنادا إلى التجارب الدولية التي استطاعت بمقتضى تطبيقات مماثلة للجهوية السياسية أن تتجاوز النزعات الانفصالية والتوترات الترابية، ذلك أن التنمية الشاملة قادرة على تقليص هوة التفرقة بين مختلف الأقاليم المكونة للدولة الواحدة والموحدة، مما سيحتم المنطق والواقع على الانفصاليين التفاوض الجدي على تفاصيل نظام الحكم الذاتي، دون أي خيار آخر. وفي ظل وأد المقترح المغربي واندثار المتغيرات المتحكمة في حالة الستاتيكو السابقة يمكن الابقاء احتياطيا جدا على سيناريو الحرب بالرغم من تكلفته الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
فالمقومات العسكرية للبوليساريو، غير قادرة على مواجهة المغرب.
والجزائر إذا انتحلت الصفة في النزاع وقررت الدخول في حرب مباشرة مع المغرب فان المغرب لن يحارب حول الصحراء الغربية حسب زعمهم، بل سيدخل في الحرب اذا كانت ضرورية لتحرير الصحراء الشرقية المغربية. ناهيك عن دخول الجزائر في حرب بدون مساندة شعبية سيجعلها استراتيجيا غير قادرة على مواصلة مجابهتها لدولة تعتبر قضية الوحدة الترابية من مقدسات البلاد بتوافق مختلف فعاليات مجتمع هذه الدولة ابتداء بالمواطن العادي مرورا بالمؤسسات الدستورية، فالنخبة بما فيها المعارضة، وصولا إلى أعلى سلطة في البلاد، مما سيغير من موازين الحرب على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
ويمكن للمغرب مساندة المعارضة الجزائرية والأقليات المطالبة بالحكم الذاتي جنوب الجزائر وكذلك القبايل الأمازيغ عملا بقاعدة المعاملة بالمثل، خصوصا إذا استمرت الجزائر في التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب.
ان الخيارات الاربع لجيمس بيكر لحل قضية الصحراء التي تتمثل في: الأول في استئناف المفاوضات من أجل تنفيذ خطة التسوية الأممية، في حين تمظهر الخيار الثاني في تنقيح اتفاق الإطار مع عرضه على طرفي النزاع على أساس غير تفاوضي. أما الخيار الثالث فهو الذي تضمن مفهوم التقسيم، هذا وقد تلخص الخيار الرابع في إنهاء مجلس الأمن للبعثة الأممية في المنطقة، وبالتالي انسحاب الأمم المتحدة من النزاع. وكلها استجمعت اليوم ووضعت في خيار وحيد بتصويت أغلبية أعضاء الجمعية العامة وهو الحكم الذاتي كحل وحيد بيد المغرب وأمام الخصوم للحفاظ على الأمن الاستقرار في المنطقة.
والمساندة الرسمية المباشرة وغير المباشرة للجزائر للطرح الانفصالي يمكن تفسيره بالمصالح الجزائرية في معاكسة الطرح الوحدوي للمغرب، والذي من ورائه استغلال المناجم المتواجدة في الصحراء الشرقية، بل وإمكانية فتح ملف هذه المنطقة برمتها. حيث أن المنطقة لا يمكن أن تحتمل تواجد قياديين لها بتوجهات تنموية مختلفة حسب القيادة الجزائرية.
واستنادا إلى أنصار الوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية، يمكن اعتبار ظاهرة الانفصال كإحدى التطبيقات العملية لحق الشعوب في تقرير مصيرها، لا تعدو أن تكون ظاهرة بدون سند قانوني؛ لأن القانون الدولي لا يعدو أن يكون له دور معاينتها دون أن يكيفها، الشيء الذي يمكن استنباطه من خلال تشدد تطبيق الانفصال في عملية تقرير المصير؛ إذ إن مجلس الأمن أدان الأعمال الانفصالية التي أقدمت عليها الإدارة المحلية لمنطقة “شابة” بإيعاز من الخارج ضد دولة “زايير” سابقا. وبنفس النهج أكد الأمين العام للأمم المتحدة على أن “ربونانت” المحاولة الانفصالية لإقليم ” بيافرا” عن نيجيريا. وبنفس النهج تعامل المنتظم الدولي مع منطق الانفصال في الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي بعد انهياره، سواء تعلق الأمر بالقضية الشيشانية مع روسيا، أو الأبخازية مع جورجيا …. هذا إذا ما استثنينا من هذه الرزنامة تجربتي انفصال كل من بنغلاديش عن باكستان وانفصال إريتريا عن إثيوبيا؛ إذ إن الاستثناء لا يدحض القاعدة على اعتبار أن حق تقرير المصير هو حق قانوني دولي مكفول دوليا للشعب مما يؤدي إلى نتيجتين الأولى، تتمثل في كون الحق في تقرير المصير هو حكر على الشعب. أما النتيجة الثانية، فتفضي إلى منع انفصال الأقليات، عن الدولة الأم، وفق معادلة الأغلبية تحكم والأقلية تخضع وفق ضمانات تكفل لها الحق في التعدد والاختلاف لا الخلاف حفاظا على سلامة أمن الدولة ووحدتها.
ان طرح المغرب مقترح للحكم الذاتي كتعبير ديمقراطي حداثي، يسعى إلى إشراك الشعب في ممارسة بعض المهام الأساسية، مع تفادي الهيمنة المركزية على مستوى كل القطاعات؛ وهو في نفس الآن تخفيف العبء الإداري عن المركز في عدة شؤون محلية تستدعي السرعة ومعاينة المشاكل في عين المكان لإيجاد الحلول المناسبة لها في الوقت المناسب.
التوصيات:
– يجب العمل على دراسة النسق الاجتماعية لتركيبة علاقات المجتمع القبلي لمعرفة الرغبات التي تؤطرها مفاهيم لها دلالات تحتاج الى قراءة متأنية لفهمها وضبطها لأنها تتحكم في السلوكيات والرغبات الفردية والجماعية. بحكم أن هناك منظمات غير حكومية غير منزوعة الانتماء وتعارض مع توجهات وحدة المغرب الترابية وان كان القضاء يبطل مفعولها وقيمتها.
– تقوية الدبلوماسية المتعددة الأوجه.
– المطالبة بتفكيك وضعية مخيمات تندوف لما لها من علاقة بالتنظيمات الإرهابية وأثر سلبي انساني واجتماعي وأمني وحقوقي.
– تحميل الجزائر مسؤولية إحصاء سكان مخيمات تندوف والكف عن دعم الانفصاليين بالسلاح.
– العمل على طرد الجبهة الانفصالية من الاتحاد الافريقي
– وضع ملف المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية المغربية أمام الأمم المتحدة.

*استاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان
رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات بمرتيل

Exit mobile version