من حق محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون، أن يصدر تقريرا حول واقع ووضع السجون في المغرب.
ومن حق رابطة قضاة المغرب أو أي جمعية أخرى أن يكون له رأي مخالف.
ومن حق رئاسة النيابة العامة أن تصدر أيضا بيانا تتفاعل فيه مع ما جاء في تقرير التامك.
كيف يكون هؤلاء كلهم على حق وهم وصلوا حد التناقض في بعض القضايا واتهم القضاة التامك بالتدخل في شؤون القضاء.
التامك أصدر تقريرا، وهذا دوره وواجبه، لأنه لا يمكن معالجة الإشكالات المطروحة في غياب معرفة دقيقة بالواقع. فالمندوبية لم تقم سوى بتوصيف للواقع كما هو، لأنه لا يمكن أن يدعي شيئا بالإمكان التحقق منه، فهو تحدث عن أرقام، تتعلق بالطاقة الاستيعابية للإيواء في السجون، التي تتجاوز الحد الطبيعي بأربعين في المائة وهو أمر خطير، لأن حالات الاكتظاظ مخالفة للقانون كما أنها عامل في بروز ظواهر كثيرة داخل السجون، ليس بالإمكان التصدي لها.
رابطة القضاة استنكرت في بيانها ما ورد في التقرير، الذي أشار إلى القضاة بأنهم سبب في الأمر بالنظر إلى كثرة قرارات الاعتقال الاحتياطي، واعتبرت ما ورد في التقرير تدخل في شؤون القضاء، مؤكدة على أن القضاة ينفذون السياسية الجنائية للمملكة. ينبغي التسطير على أنهم ينفذون “السياسة الجنائية” للمملكة.
أما رئاسة النيابة العامة فلها رأي مختلف، حيث عبرت عن مشاطرتها للمندوبية قلقها بشأن وضعية المؤسسات السجنية، غير أنها أوردت خلفيات الاكتظاظ، الذي يعود إلى ما أسمته التطور النوعي الذي عرفته مظاهر الجريمة في السنوات الأخيرة، وفي هذا السياق بذلت المصالح الأمنية والشرطة القضائية بكل أصنافها ولازالت جهودا مضنية لمواجهة كل الخارجين عن القانون.
الثلاثة على حق. فمن ليس على حق؟
إنها الحكومة بكل تأكيد. وقد لخص ذلك القضاة عندما أشاروا إلى “السياسة الجنائية” للمملكة.
وزير العدل المفروض فيه أن يكون الساهر على إنتاج سياسة جنائية مغايرة مرتبطة بالواقع والتحولات، مهموم فقط بمناقشة الحريات الشخصية و”البرتوش” وما جاورها. هل وصلنا إلى البحث عن حقوق المترفين، ونحن ما زلنا نعاني من الاكتظاظ؟ هل يعرف وهبي أن كاميرات كبرى ومجهرية مسلطة على المغرب، لأنه يبحث عن التحرر وعن موقع سيادي داخل العالم؟ لا يبدو أنه يعرف مثل هذه الأمور وإلا كان فكر فيما يفيد.
الحكومة كاملة مسؤولة عن هذا الوضع لأنها لا تفكر في مخارج للأزمة، التي تعتبر العامل الحاسم في صعود ونزول الجريمة.
مولاي الحسن الداكي قال إنه سيدعو إلى ندوة تجمع كل الأطراف للتفكير في الموضوع. أمر جيد، لكن العملية تفوق مثل هذه الندوة، وتحتاج إلى تفكير جماعي يجمع السياسي بالجنائي بالحقوقي بالاجتماعي.
النقاش في حد ذاته صحي ولكن لا ينبغي أن يتوقف عند تبادل الاتهامات والتنصل من المسؤوليات، فالكل معني بالقضية، التي تحتاج إلى سياسة عامة وإرادة حكومية واضحة.
نقاش مغلوط ومكتظ حول الاكتظاظ بالسجون
