Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

هل أصبحت كرةُ القدم أفيونَ الشُّعوب؟

محمد فارس
قال [نيتشه]: [الدينُ ثورة العبيد]؛ وقال [ماركس]: [الدينُ أفيون الشعوب]؛ لكن لو كان العُمْر قدِ استطال بهذيْن الفيلسوفين الـمُلحِدَين، لغيّر [نيتْشَه] مقولتَه بالقول: [الكرةُ متعة العبيد]، ولقال [ماركس]: [الكرة أفيونُ الشعوب].. ويذكُر التاريخ أنّ كرةَ القدم، ما خدمتِ الشّعوب يومًا في شيء، ولا كان للشّعوب فيها مصلحة تذكر، بل ظلّت وما تزال مُخدّرًا يُستَعمل لتنويم الأمم، وصَرْفها عن التّفكير في قضاياها المصيرية، وفي أحوالها الوجودية.. في بداية الأمر، خدمت كرةُ القدم الديكتاتوريات القمعية، والأنظِمة العسكَرية الاستبدادية، وهي التي شجّعت كرةَ القدم، وحظيَتْ بكؤُوسها العالمية الأولى، فأولُ دولة استبدادية نالت كأسَ العالم سنة (1930) كانت هي [الأوروغواي]، وفي سنة (1934) نالت [إيطاليا] الفاشية كأس العالم الثانية، ثم نالتْه في [باريس] سنة (1938)، وبعد الحرب العالمية الثانية، عادتِ [الأوروغواي] فحصَلت عليه سنة (1950) في [البرازيل] للمرة الثانية، وأولُ دولة ديمقراطية حصلت على كأس العالم كانت [ألمانيا] سنة (1954)، وبعدها نالتْه دولة ديكتاتورية هي [البرازيل] سنة (1958) في [السّويد]، ثم نالته سنة (1962)، وسنة (1970)، ولم تنَلْه الدّولُ الديمقراطية إلا مرّتين، [إنجلترا] سنة (1966)، و[ألمانيا] سنة (1974)، وأمّا سنة (1978)، فنالته [الأرجنتين] التي كانت ترزَحُ تحت نيْر حكم العسكر، وكان الملعبُ الذي دارت فيه مباراة النّهاية ضدّ [هولاندا] يوجد فوق معتقلات التّعذيب؛ وهكذا ترى أنّ الأنظمة الدّيكتاتورية كانت توظّف الكرةَ لإخفاء واقعٍ مُرعب تعيشه الشّعوب..
وبعد انهيار الديكتاتوريات المستبدّة، وتراجعتْ سيطرتُها على كرة القدم، وبرزتْ مافيا الكرة والمتمثّلة في [الفيفا] التي سيطَرت عليها عناصرُ مرتشية، ومُخادعة، ممّا جعل رئيسها الإنجليزي يقدِّم استقالته لما رآه من فساد في جامعة كرة القدم، واحتلّ مكانه مافيوزيون كبار أبرزُهم [هافلانج] البرازيلي، ثمّ خلفَه [پلاتير] السَّمسار الذي لم تكن له أية علاقة بكرة القدم لا مِن قريبٍ ولا من بعيد، وعرفتْ فترة رئاستِه مفاسدَ فاضحة، وسلوكات مشبوهة، فصارت دولٌ لا تاريخَ لها في كرة القدم، هي التي تتولّى تنظيم كأس العالم مثل [الولايات المتحدة الأمريكية] ودولة [قطر]، وكلّ ذلك كان يتمّ بفعل المافيات التي سيطرت على [الفيفا] ممّا أفقد كرةَ القدم قيمتَها، وصار التّشكيكُ يطال نتائج المباريات، وفقدَت [الفيفا] مصداقيتها، وصارتِ الرّشاوى تلعب دورًا رئيسيًا في اختيار الدّولة التي ستنظّم كأس العالم، وبتلك الطّرق نالت [قطر] شَرف تنظيم كأس العالم لسنة (2022) بفضل رشاوى تلقّاها [ساركوزي]، و[بلاتيني]، وزكّاها [بلاتير] سمسار الفيفا..
لعلّ [المغرب] قد أهدَر الملايير في ملفّات محاولاته تنظيم كأس العالم، فخسِر ترشُّحه ضدّ [فرنسا]، ثم [ألمانيا]، ثمّ [جنوب إفريقيا]، وأخيرًا ضدّ [ترامب] الذي حَذّر صراحةً الدّول المصوِّتة في [الفيفا]، ولكن مافيات [المغرب] المحلّية اغتنتْ من تلك الملفّات المقدَّمة، وما زالت كرةُ القدم بقرةً حلوبًا تدرّ الملايين على المافيات الـمُشْرفة على كرة القدم ببلادنا.. لو أنّ تلك المليارات التي أُنفِقت على كرة القدم، أُنفِقَتْ في مجالات العلوم، وعلى التعليم، والصّحة، والتّنمية البشرية، لكان [المغربُ] اليوم، جنّةً على الأرض، ولـمَا كان بيْننا اليوم لا شَقي، ولا محروم، ولا مَظْلوم؛ لكنّ كرةَ القدم التي يسمّونها كذبًا وافتراءً [كرة الشعُوب]، صارت وسيلةً لإلهاء الشّعوب المنكوبة، لا، بلِ استحالت إلى وسيلة لاستغلال الشعوب واستهداف جيوب الفقراء ممَّنِ ابتُلوا بالإدمان على هذا الأفيون؛ فأنت ترى الآن، كرةَ الشّعوب تباعُ مشاهدةُ مبارياتها للشّعوب بأبهظ الأثمان بواسطة حصار تلفزيٍّ تتحكم فيه اللّيبرالية المتوحّشة، وسماسِرة الكُرة، وقنوات [الجزيرة] على رأسِ المتحكّمين بهذا المشروع الاستثماري المربح في وقت تعيش فيه الشعوبُ العربيةُ واقعًا مريرًا بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، وبسبب انهيار القوّة الشّرائية، وتفاقُم حُمّى الغلاء الفاحش الذي فشى بواسطة حكومات التّجار، وبفعل اللّيبرالية المتوحّشة والمفترسة لقُدرات المواطن المغلوب على أمره.. فأيُّ خدمة قدَّمتها كرةُ القدم للشعوب؟ وأيّ دورٍ إيجابي تلعبه في هذه المجتمعات المنكوبة؟ فإذا كانت كرةُ القدم قد خدَمت في ما مضى الدّيكتاتوريات المستبدَّة، فإنّها اليوم تخدم المافيات المستغِلّة للفقراء الـمُصابين بهذا الدّاء، لا بل بأفيون الشّعوب الفتّاك..

Exit mobile version