Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

هل تحوّلت جامعاتُنا إلى أوكار ومخابِئ لزُمَرٍ ذئبية؟

محمد فارس
ماذا تكون الجامعةُ إذا لم تكن مؤسّسة أُقيمت لتضْطلع بحراسة العلوم والآداب والفنون، بمعانيها التي تقرّرها لها الحضارةُ البشرية، وكما يَشهد لها التاريخ، لاَ كَما حوّلَها مرضى الأنفُس والذين يعانون من الشّبق الجنسي أو كما يُسمَّون [Les obsédés sexuels] ماذا تكون الجامعةُ إذا لم تكُن هي الحَرم الذي تُقدّس في رحابه روحُ البحث، والكشوفُ العلمية، واكتشاف اللِّقاحات لشَتى الأوبئة والأمراض الـمُعدية؟ ماذا تكون الجامعةُ إذا لم تَجعل من نَفسها حامية تَذُود عن دولة العقل، وعن مجتمع القيم والأخلاق السّامية، حتى لا يعْتَدي عليها أعداؤُها بهدم حصونها من الدّاخل أو من الخارج، و حتى لا يأخذ الضّعفُ من رجالها من أساتذة أجلاّء، وعلماء أكفاء، بسبب تسرُّب أساتذة مزيَّفين إلى رحابِها فيعاني الأكفاء من هَجمات وممارسات المعتدين من زُمَر ذئبية تَحكمهم الغرائزُ الحيوانية ومع ذلك يُسَمّون أساتذة، والأستاذية منهم براء براءةَ الذّئب من دم ابن يعقوب؟
الآن فقط، أَدْركنا سببَ وجود جامعاتِنا خارجَ التّصنيف العالمي، وعرفْنا عدَم وجود ولو أستاذ واحد فاقتْ شهرتُه الآفاق تناديه جامعاتٌ أجنبية ليحاضِر أمام طلبتِها.. اليوم فقط، علمْنا أيّ نوع من الأساتذة تعجُّ بهم جامعاتُنا التي أصبحت كما يقول الأمريكان [بُورْديل] لفُروج ليست عليها أقفال، وهي التي تساعِد على نَيل نقاط وحيازة ديبلومات مزيَّفة.. وقد نسأل: وهل يمكن أن يكونَ للجامعة أعداء؟ ونُجيب بكلّ اليقين بأنّ ذلك قد أمكن، بل إنّه وقَع ويَقع أمام أبصارنا كلّ يوم! وأعْجب العَجب أن نجد الأمان كلّ الأمان لمن يحوِّل الجامعات إلى أوكار دَعارة، وأن نرى شيئًا من تشويه السُّمعة وقد تواجَد فيها من هُم ضدّ مسيرة التّقدم العِلمي، والتّفوق الحضاري، وهؤلاء مجرّد دُخلاء ممّا يستوجب عمليات تطهير قبل فوات الأوان وأن يعْزلَ هؤلاء فورًا ويُلقى بهم في مزبلة النّسيان إن لم يكُنِ السِّجنُ المؤبّد هو مجالهم الطّبيعي، وذلك جزاء المجرمين..
لقد عُرِفَت جامعَاتُنا بتاريخها المجيد وبأساتذتها اللاّمعين في شتى العلوم وأضراب الفلسفة والفكر، وإذا سألْتني عن بعض من هؤلاء الأساتذة الأكفاء لأجبتُـكَ على الفور: الجابري، وعبد الله العروي، والمهدي بنعبود، والمهدي المنجرة، وهؤلاء مغاربة ذاع صِيتُهم في العالم؛ ومن بين الأجانب الذين خلّدهم التاريخ في جامعاتِنا يوم كانت تستحقّ شرفَ لَقَبِها، نذْكُر منهم: رشدي فكّار، وإبراهيم زكريا، وسامي النّشار، ورولان بارث، وعلى ذكْر هذا الأخير، تَحضُرني قصّة وقعَت لي في إحدى الحافلات حيث جلس بجانبي أستاذٌ جامعي، فأخبرني بأنّه أستاذ اللغة، فتجاذبْنا أطرافَ الحديث، فتطرّقتُ للحديث عن أستاذ اللّغة [رولان بارث]، وفاجأني الأستاذُ بأنّه لا يَعرفه، فقلتُ له يا أستاذ: إنّ [رولان بارث] يُلقَّب بجرّاح اللّغة، وبدأتُ أشرح له مضامين كتابه [درجة الصِّفر في الكتابة]؛ فقال لي يظهر أنّكَ مُطّلع على فكرِ هذا الكاتب، فأخبرتُه أنّي جالستُه وأنّه كان أستاذَ لغة في جامِعتِك، ثم فسّرتُ له الفلسفة البنائية وماذا تقُوله بخصوص اللّغة؛ فقلتُ في نفسي: كيف صار هذا أستاذًا للّغة وهو أفرغُ من بَطْن أمِّ موسى! ولـمّا توقّفتِ الحافلةُ، طلبَ منّي الأستاذُ رقمَ هاتفي المحمول، فادَّعيتُ أنّي لا أملِكُ هاتفًا محمولاً، لكنّه طلب منّي لقاءَه مرّةً ثانيةً أو زيارتَه، فقلتُ: نعم، سأفعل.. مثل هذا الأستاذ كثُر في جامعتِنا ممّا يبيِّن الفسادَ الذي يمكِّن مِثْل هؤلاء الجهلَة كي يُصبِحوا أساتذة في جامعاتنا، ومنهم من يصنَّف كأستاذ باحث ويتقاضى أجرًا على بحوث وهمية؛ وإذا خَبا العقلُ، استفاقتِ الغرائزُ الجنسية..
أفلا يحقُّ لنا اليوم إذا ما ظهرتْ لنا بوادرُ ضُعْف في جامعاتنا أن نَسأل: ماذا أصابنا؟ إنّنا إذا استثْنيْنا فئةً واعيةً وهي القِلّة القليلة من رجال الجامعات، أحزنتْنا كثرةٌ غالبة منهم بما يَغْمُرها من غيبوبة عقلية أو ما يُشْبه الغيبوبة؛ فالذي يمنَح النّقط مقابل الجنس ألا يعاني من غيبوبة عقلية وفكرية؟ وهذه الظّاهرة فشتْ في جامعاتنا، ألم نقرأ منذ سنتين ما تناقلتْه الصّحف بخصوص أستاذ جامعي للرّياضيات كان يراود الطّالبات ويَعرض عليهنّ النّقط مقابل الجنس ثم ادَّعى بأنّه مريضٌ نفسيًا؟ ألم نقرأ منذ سنتين عن قصّة “الماسْتَر” مقابل مبالغَ مالية، ولكن بقدرة قادر طُمِسَتِ القضية، وطَمْسُ هذه القضايا هو الأصل في تفاقمِ الفساد الأخلاقي في جامعاتِنا؛ ولكن من يَطمِسها يا تُرى؟ هذا هو السّؤال! لكنْ لو دقّقتَ النّظرَ جيّدًا في المسألة، لألفيْت أنّ الحكومة التي تخطِّط لإقبار قانون الإثراء غيْر المشروع، لا يُضيرُها أن تَسكت عن الفساد في الجامعات، وقد رأينا كيف سُحِبَ ملفُّ محاربة الفساد في البرلمان، لأنّ الحياة ستكون صعبة وبلا مردودية من دون فساد؛ وهكذا، ترى كلّ مرّة تُفَجَّر فضيحة وبعد أيام يُغشّيها غبار الزّمَن في انتظار فضيحة أخرى من العيار الثّقيل؛ لأنّ للفساد رجالَه وحماتِه، لكن لو كان لنا إعلامٌ جادّ، به إعلاميون أفذاذ، لأعطى لهذه المفاسد بعدًا رأسيًا، ولكن إعلام (الطّبالة) لا يُرجى خيرُه!

Exit mobile version