بعد تعثّر خطة استيراد الماشية الحيّة في خفض أسعار اللحوم الحمراء المرتفعة، اتخذت الحكومة قراراً جديداً بالتحول نحو استيراد اللحوم المذبوحة من الخارج بهدف تخفيف الضغط على القطيع الوطني والتحكم في الأسعار التي أرهقت المواطنين.
وأصدر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) قراراً يسمح باستيراد اللحوم الحمراء الطازجة سواء كانت مجمدة أو مبردة من الأغنام والماعز من دول محددة وفق لائحة تشمل كلاً من ألبانيا، الأرجنتين، أستراليا، كندا، تشيلي، بريطانيا، نيوزيلندا، صربيا، سنغافورة، سويسرا، الأوروغواي، وأندورا.
كما تمت إضافة وجهات أخرى لاستيراد لحوم العجول والأبقار مثل أوكرانيا، البرازيل، والباراغواي، مع إتاحة تعديل القائمة عند الضرورة إذا تبيّن وجود مخاطر صحية محتملة.
ويشترط “أونسا” أن ترافق اللحوم المستوردة شهادات صحية صادرة عن الجهات المعتمدة في بلد المنشأ، بالإضافة إلى شهادة “الحلال”، مع الالتزام بتوفير مخازن لحفظ اللحوم لكل مستورد. وسيتم فحص اللحوم في مراكز مختصة لضمان سلامتها.
ويأتي هذا القرار استناداً إلى الاتفاق بين رئيس الحكومة عزيز أخنوش وممثلي سلاسل الإنتاج الفلاحي، بما في ذلك مهنيو قطاع اللحوم الحمراء، خلال اجتماع الأسبوع الماضي، حيث تم استعراض التدابير الضرورية لإنعاش القطاع الفلاحي وضمان تزويد الأسواق استعداداً للموسم الفلاحي 2024-2025. ويهدف القرار إلى خفض الأسعار في الأسواق المحلية وتعزيز قدرة القطاع على مواجهة التحديات العالمية، خاصة في ظل تأثير الجفاف الحاد الذي دام لخمس سنوات.
وفي هذا الصدد، قال مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن الحكومة تعتمد على منهجين لمعالجة أزمة اللحوم الحمراء في المغرب. الأول يركز على “إعادة بناء القطيع” بسبب التراجع الملحوظ في أعداد الماشية خلال السنوات الماضية، والثاني يهدف إلى “زيادة العرض حالياً” للحد من ارتفاع الأسعار التي بلغت مستويات غير مسبوقة.
وخلال الندوة الأسبوعية التي تلت انعقاد المجلس الحكومي، أوضح بايتاس أن الحكومة صادقت مؤخراً على أربعة مراسيم تتيح استيراد مختلف الحيوانات الأليفة، بما فيها الأبقار، بالإضافة إلى مراسيم أخرى تضع معايير واضحة لاستيراد اللحوم وفق دفاتر تحملات وإجراءات محددة.
وأشار بايتاس إلى أن الدعم الحكومي الذي قُدم خلال السنوات الماضية، سواء في مجال البذور أو الأسمدة، أسهم في استقرار أسعار الخضروات التي كانت قد شهدت أيضاً ارتفاعاً ملحوظاً.
وأضاف أن قطاع اللحوم، بسبب طبيعته الخاصة، يتطلب دعماً إضافياً نظراً لأنه يعتمد على تربية كائنات حية تحتاج إلى رعاية مستمرة، ما يجعل الاستيراد ضرورياً مع توفير الأعلاف لمساعدة الفلاحين في الحفاظ على قطعانهم وإعادة بناء الثروة الحيوانية.
وفي سياق التشغيل، لفت بايتاس إلى أن قطاع تربية المواشي يُعد من القطاعات الأكثر توفيراً لفرص العمل في المناطق القروية، وأوضح أن تراجع أعداد الماشية في السنوات الأخيرة تسبب في انخفاض فرص العمل في هذه المناطق، خاصة بعد فقدان الفلاحين لمصادر دعم كانت متاحة في المواسم المطيرة.
وعلاقة بالموضوع، أعربت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك عن ترحيبها بقرار الحكومة بالسماح باستيراد اللحوم الحمراء، وكذلك بقرار المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) الذي يحدد الشروط الصحية لاستيراد اللحوم الطازجة والمجمدة من عدة دول، مطالبة بالإسراع في تطبيق هذا القرار.
وأكدت الجامعة، في بيان لها، أن هذه الخطوة ستسهم في معالجة أزمة اللحوم الحمراء وتعزيز القدرة الشرائية للمستهلكين، مشيرة إلى أن استيراد اللحوم الطازجة والمجمدة سيساهم في تخفيض تكلفتها في السوق الوطنية، مما يتيح للمستهلكين وللقطاع الوطني بعض الراحة، وبالتالي الحفاظ على القدرة الشرائية للمغاربة.
في المقابل، طالبت الجمعية الحكومة بمواصلة التعامل مع أزمة اللحوم باعتبارها مشكلة بنيوية تتطلب مقاربة شاملة، تشمل التنسيق والاستماع وإشراك جميع الفاعلين، بما في ذلك ممثلو المستهلكين.
كما دعت إلى سرعة تنفيذ قرار استيراد اللحوم وربط استيراد الحيوانات الحية الموجهة للذبح بمدة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لإتمام عملية الذبح، مع تقديم ما يثبت ذلك للجهات المختصة، أو دفع الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة للدولة، وفرض عقوبات على المخالفين.
بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، صرّح لصحيفة “النهار المغربية” بأنه يفضل تناول اللحوم المستوردة المجمدة، شريطة أن تكون قد خضعت للمعايير الصحية اللازمة، بدلاً من اللحوم المتداولة في مختلف الأسواق المغربية والتي لا تلتزم بالشروط الصحية المعمول بها.
وفي حديثه عن أسباب استنزاف الثروة الحيوانية المغربية، أوضح الخراطي أن الجفاف يعد من بين العوامل التي تهدد هذا القطاع، إضافة إلى السياسات الفاشلة التي اتبعتها الحكومة خلال السنوات الماضية.
وأكد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن نشاط تحسين النسل والتوالد تم تفويته لبعض الجمعيات غير المتخصصة، والتي تسعى لتحقيق الربح فقط.
وأشار الخراطي إلى أن ثمن الأعلاف في المغرب، ورغم انخفاضه عالمياً، ما زال ثابتاً عند مستويات مرتفعة، مما دفع العديد من الفلاحين إلى ترك تربية المواشي والتوجه نحو نشاطات وزراعات أخرى موجهة أساساً للتصدير.
وأضاف المتحدث أن ظاهرة “الشناقة” أسهمت بدورها في تدهور هذا القطاع الحيوي، حيث يتم بيع الحيوان الواحد الصالح للذبح عدة مرات قبل وصوله إلى المرحلة النهائية.
واختتم الخراطي تصريحه بالقول إنه في غياب مؤسسة وطنية فعالة لحماية المستهلك، ستستمر الفوضى والعشوائية في تنظيم وحماية استهلاك المغاربة.