Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

هل هذا هو حالُ الوزراء منذ أن عَرف العربُ الوزارة؟

محمد فارس
يقول المؤرخون: [يبدو أن الطبيعةَ البشرية تميل إلى الاستبداد، وأنّ الطّموح الإنساني لا يقف عند حدّ، فالوزيرُ عندما ينصّب، يكون بسيطًا، مُطيعًا للخليفة، لكنّه وبمرور الأيام والسنين يتغيّر.. تزولُ الحواجز، وتسقُط الجُدران، وربّما يكتشف شيئًا من عيوب الدّولة ومَواطنِ ضُعْفها، فيروحُ يستغلّها لصالحه، وبلطْف وبدبلوماسية عالية جدّا، من غيْر أن يُظهرَ على وجهه سوى آيات الاحترام، والتّبجيل للخليفة صاحب النّعمة، ويتنامى الإحساسُ بالعظمة لدى الوزير، فهو إذنْ لا يَختلف عن الخليفة في شيء إلاّ في الاسم، وكبارُ رجال الدولة، يتودّدون إليه، ويعتقد هذا الوزيرُ بأنه لولاه لما استقامتِ الأمُور.. لكن الخليفةَ الذّكي يَنظر إلى الأمور بعيـنٍ حذِرة، فهو ليس غبيًا ولا مُغفَّلاً كما يعتقد الوزيرُ المغرورُ بالعظمة الوهمية، بلِ الخليفةُ يُحصي الأخطاء على وزير، ويُسجِّلها واحدةً واحدة بانتظار يوم الحساب، فيغيّر الخليفةُ وزيرَه، ويَعْمل بما قاله (ماكيا ڤيللّي) في ما بعدُ: (لا تدعْ شمسًا تعلو على شمسِك)! هكذا قاله هذا المفكّرُ بعد قرون، وهو رجلٌ جمع خبرات الملوك والسّلاطين في كتابه الشهير: (الأمير)..]..
هذه حالُ جميع الوزراء، منذ أن عرفَ العربُ الوزارة، ولطالما، (يقول كتّابُ موسوعة تاريخ العرب، صفحة: 290)، لطالما قرأْنا عن رؤوس عمِلت وتَشبّثتْ بالمناصب، ثمّ أُطيحَ بها في طرفة عيْن لسببٍ أو لغيْر سبب مثْل (أبو سلمة الخلاّل، وأبو مسلم الخُرساني، وحزبُ البرامكة، والفضلُ بن سهل، وأحمد بن يوسف، ويحيى بن أكْثَم)؛ وقلّما قرأْنا عن وزير اعتزلَ الوزارة عن طيبِ خاطر، وقلّما قرأْنا عن وزير ذهب لملاقاة ربّه راضيًا مرضيًا.. وهذا نصيبُ الوزير (الفضل بن مروان) الذي استبدّ حتى أنّ مهرّجًا لـ(الـمُعتصِم) اسمُه (إبراهيم الهَفْتي) قال للخليفة يومًا: [أتَحْسِب أنّكَ أفْلَحتَ الآن، إنّما لكَ من الخلافة إلاّ الاسم، والله ما يجاوزُ أمرُكَ أُذُنَكَ، وإنّما الخليفةُ الفعْلي هو (الفضلُ بن مروان) الذي ينفّذ أمرُه من ساعتِه]؛ فوضع عليه (المعتصمُ) من يحُدّ من تصرّفه في أموال وثروات الدّولة، وأمرهُ وأهلَ بيته بتقديم حسابٍ مفصَّل عمّا يملكونَه من أموال منقولة وغيْر منقولة، وأخذَ من بيته ألفَ ألفَ دينار، وأخذ أثاثًا وآنيةً بألف ألف دينار، واستوزر مكانه (أحمد بن عمّار الخُراساني) وعيّنَه مراقبًا لنفقات الدّولة..
أرجو من السّادة القُراء الكرام، أن يعتبروا هذه المقالات أَدْخل في باب (متعة رمضان) منها في شيء آخر، وسنوافيهم بمقالات مثيرة خلال هذا الشهر الفضيل.. كان هذا الوزيرُ المدعو (أحمد بن عمار الخُرَاساني) على غير كفاية في الكتابة، ويُرْوى أنه ورد عليه كتابٌ من بعض العمّال، فقرأه (الـمُعْتصِمُ) وكان في الكتاب ذِكْرٌ لِلْكلَإ، فقال له (المعتصمُ): ما الكلَأ؟ فقال الوزيرُ: لا أدري! فقال (المعتصمُ): [خليفة أُمِّي، ووزيرٌ عَامّي.]، ثم قال (المعتصم): أَبْصروا مَن في الباب من الكتّاب، فوجدوا (محمد بن عبد الملك الزّيات) فأدخلوه إليه فقال له: ما الكلأ؟ فقال: الكلأ هو العُشْب على الإطلاق، فإن كان رطْبًا فهو: الخَلأ، فإذا يبِسَ فهو الحشيش، وشرعَ في تقسيم أنواع النبات، فعرف (المعتصمُ) فضلهُ واستوزره.. هذه القصّة تُشْبه نوعًا ما ما حدثَ للخليفة (المتوكّل) حيث كتَب إلى بعض عمّاله: [أَنْ اِحْصِ من قِبلِكَ من الذَّميين، وعَرِّفْنا بمبلغ عدَدهِم]؛ فجمع العاملُ من كان في إقليمه منَ الذّميين وخَصاهُم، فماتوا غَيْر رَجُليْن، لأنّه اعتقد أنّ الأمرَ [اِحْصِ] كان [اِخْصِ]، هذا يبيّـنُ أنّ بعض المسؤولين جُهلاء، وأغبياء، وغيْرُ أَهل لتحمّل المسؤولية، وهناك عندنا ممّن وقَعوا في هذا، ولا حاجةَ بنا إلى ذِكْر أسمائهم، وكانت أخطاؤُهم سببًا في عزْلِهم..
في عهد [المقتدِر]، كان بيتُ المال خاويًا، فعُيـنَ وزيرٌ اسمُه [ابنُ خاقان]، فعَمد إلى سدّ الخصاص عن طريق المصادرات، والمضايقات، ورفع الضرائب، واختلاقِ أخرى على الشعب.. كان (ابن خاقان) يتّصف بالإهمال وسوء الإدارة، فكانت الكتب تردُ عليه فلا يُجيب عنها أو أنّه كان يتركها تتراكم وفيها حساباتٌ وذِمَم دون أن يفضّها أو أن يعرفَ ما بها، وكان يقلّد العامِلَ، ثم يُتْبِعُه بغيره قبْل أن يَصِل الأول إلى مقرِّ عمله، حتى قيل إنّه اجتمع في (خان) بِـ(حُلوان) سبعة أشخاص، وقد قُلِّد كلّ منهم ماءَ (الكوفة) في عشرين يومًا، و(بِالموْصل) خَمسة، وقد بسَط هذا الوزيرُ الفاسدُ يدَه وأيدي أولادِه في أموال وثروات الأمّة، فكانت حاشيتُهُ وأولادُه يتدخّلون في كلّ شيء، حتى تحوّلتِ الوزارةُ إلى شيء بعيد كلّ البعد عن هذه التّسمية، ففقَدت هيْبتَها، وتردَّتْ أحوال البلد في ظلّها، فشاور (المقتدِر) مستشاره [مؤنسًا] في التّغيير، فأشار عليه بِـ(علي بن عيسى)، فأرسل إليه الخليفةُ، فحضَر وتسلّمَ الوزارةَ من (ابن خاقان) الفاسد.. لكن في عهد [المقتدر] كانت حكومةُ النّساء هي حكومة الظّل، وهي التي تحكُم من وراءِ السّتار، فقرّرت تلك الحكومةُ المصغّرة أن تقضي على الوزير النّزيه (علي بن عيسى)، فجاءت (القَهْرمانيةُ) تطلب مالاً من بيت المال، فلم يأْذن لها الوزيرُ (ابن عيسى)، فتقوّلَتْ عليه عند [المقتدِر] وشكتْه ظُلمًا، فعُزِل الوزيرُ الكُفء من منصبه وعيّن مكانه الوزير (ابن الفُرات) ثمّ قُبِضَ عليه بفعْل حكومة الظّل النّسْوية..

Exit mobile version