Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

هولدينغ إعلامي أم تأميم للصحافة؟

هل الترويج لتكوين هولدينغ إعلامي نابع من غيرة على الصحافة ومحاولة محاربة الهشاشة التي تعيشها؟ أم أن الأمر يتعلق بتدبير أمر بالليل للقضاء على الصحافة بشكل نهائي وخلق سرب من المطبلين؟
بعد الكلمة التي ألقاها الوزير المنتدب في الميزانية فوزي لقجع، خلال اليوم الدراسي الذي نظمته وزارة الثقافة والشباب والتواصل، والتي دعا فيها إلى الدعم على أساس الاستثمار، انبرت العديد من الأقلام للدفاع عن تكوين هولدينغ إعلامي كبير على ضوئه يتم صرف الدعم الذي تقدمه الدولة للصحافة.
الاستثمار مرتبط بالسوق، وسوق الصحافة في المغرب غير منتج، لأن الأمر يتعلق بثقافة لم تترسخ كثيرا في مجتمعنا، إذ ما زالت الإشهارات هي السيف المصلت على رقاب الصحافيين أو بالأحرى الصحف كي تقول ما يريده أصحاب المال والأعمال، وفي غياب قواعد واضحة لسوق الإشهار ونشره وتوزيعه يبقى أي حديث عن الاستثمار مجرد مزايدة لأن الأمر لا يتعلق بمقهى أو مطعم يمكن أن توسع دائرة منتوجاته.
الهولدينغ يعني تجميع الصحافة في مقاولات كبرى. الفكرة من حيث المبدأ قد تكون مغرية لكن من حيث تنزيلها على أرض الواقع فهي تعني أمورا تغيب عن ذهن الصحافيين. التجميع في هولدينغ يعني أن هناك عنصر مشترك يملك أسهما في كل المقاولات المجتمعة. وطبعا سيطبعها بطابعه الخاص ويصبح الهولدينغ خادما له.
فالتجميع كما لا يخفى ضد التعدد، الذي هو أساس المجتمع الديمقراطي، فالأمر لا يتعلق بتعاونيات لتعبئة الزيت في القناني، ولكن مقاولات صحفية، منها الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وما دون ذلك، ووجودها أصلا هو تعبير عن اختلافات في الأصل، فبغض النظر عن هفوات الصحافة، تبقى كل صحيفة هي تعبير مختلف.
ليست الصحافة إنتاجا نمطيا حتى يمكن تجميعه، لأن لكل واحدة من المقاولات خطها التحريري، فهل التجميع يعني تجميع الخطوط التحريرية؟ كيف وبأي طريقة وبأي أداة؟ لا يمكن أن يتفق صحافيان في طريقة نقل الخبر ناهيك عن الاتفاق حول الرأي. والصحافة تجمع كل ذلك. فهي تجمع لما هو مختلف فكيف يمكن تجميعها في إئتلاف؟
إن أي محاولة لتجميع الصحف، تبقى محفوفة بالمخاطر. طبعا هناك هولدينغان واقعية وتحتاج فقط لتصبح قانونية، ومن حق من يسمح له القانون بامتلاك الصحف أن يمتلكها، لكن ربط الهولدينغ بالدعم أمر خطير. في صيغة من صيغه هو شبيه بالتأميم، الذي قامت به بعض الدول. لكن حتى نموذج تأميم الصحف مختلف تماما عما يذهب إليه أصحابنا. فالتأميم يعني تبعية الصحف للدولة لكن حافظت على كثير من اختلافها.
في فترة من الفترات نهاية العقد الأول من بداية الألفية الثالثة حاول ميلود الشعبي، رحمه الله، أن يؤسس هوليدنغا كبيرا للإعلام، باعتباره صاحب رؤية في الطباعة والتوزيع، وكان ينوي بناء مطبعة ضخمة تطبع كل الصحف، التي ستتبع له في وقت وجيز ناهيك عن نقط التوزيع الكثيرة التي يمتلكها عبر هولدينغ الشعبي الخاص، ولم تنجح الفكرة. لكن لو نجحت فصاحب الهولدينغ هو من سيتحكم في الخط التحريري عبر الطباعة والتوزيع المتحكم فيهما. ورأى كل من فاتحهم في الموضوع أنه خطير. مشروع خطير رغم أن صاحبه لم يربطه بدعم الدولة فما بالك بمشروع مرتبط بدعم الدولة. سيؤسس لا محالة لدكتاتورية خطيرة تقتل كل مقومات التعدد الأساس في كل ديمقراطية. وسيؤسس لنمطية في الإخبار وفي إبداء الرأي في قتل مباشر للاختلاف.

Exit mobile version