Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

وهبي ومحك استقلالية القضاء

أظهر عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، عدم معرفة كبيرة بأمور العدالة، بل إنه بدأ في مناقشة بديهيات بشكل ساذج خصوصا لما قال “القاضي مستقل لكن استقلاليته ليست مطلقة”، وهو كلام فارغ لأن القاضي يخضع للقوانين المؤطرة لعمله تحت سلطة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لكن وهبي يحاول الالتفاف على هذه الاستقلالية من خلال بعض المقتضيات، التي تتعلق بالتحكم في الترقيات والتأديب.
التحكم في الترقيات معناه التحكم في المسألة المالية للقضاة، ولا يمكن بتاتا الحديث عن قضاة مستقلين عن وزارة العدل إذا كانت هذه الأخيرة هي من يتحكم فيما يتعلق بمصيرهم المالي، إذا أصبحت الوزارة هي من يتحكم في الترقيات وفي التقاعد وغيرها.
لكن الأخطر من ذلك هو محاولة الوزير التحكم في عملية التأديب، المتعلقة بآجال الأحكام. وهنا مكمن الخلاف الرئيسي. فالوزير، الذي أكثر من الكلام، حمّل القضاة مسؤولية تأخير صدور الأحكام، بينما الأمر يتعلق بقضيتين رئيسيتين.
فالأولى تتعلق بوزارة العدل المكلفة بالتبليغ وليس جهاز القضاء بما يعني أن الوزير هنا متهم بعدم القيام بعمله، والثانية مرتبطة بعمل القاضي وأي تقييد غير قانوني لعمل القضاة بالفترة الزمنية سيؤثر لا محالة على جودة الأحكام، فكيف تطلب من قاضٍ أن ينجز ملفا في 15 يوما ويصدر الحكم وهو يحتاج إلى وقت أكثر من أجل دراسة وثائقه ومستنداته؟
بغض النظر عن مواطن الخلاف بين القضاة وبين وزير العدل بخصوص مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، فإن استقلالية القضاة على المحك، وهي أهم ما انصب عليه دستور 2011، ومن أجل استكمال منظومة استقلالية القضاء تم فصل النيابة العامة باعتبارها سلطة قضائية عن سلطة وزارة العدل حتى تكتمل صيغة الاستقلالية عبر انضمام كافة القضاة للسلطة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لقد كانت النيابة العامة كالعصا بيد وزير العدل باعتباره رئيسا لها وكان الوزراء يقدمون على خروقات خطيرة أحيانا تتعلق باستغلال النفوذ.
واليوم بعد أن أصبحت الوزارة خاضعة لمنطق التقسيم السياسي للحقائب الوزارية ينبغي الحرص التام على استقلالية القضاء بشكل كامل، ولا يمكن أن تخرج الوزارة من باب الاستقلالية لتدخل من نافذتها. أي أن تخرج من باب فصل النيابة العامة عنها لتعود من بوابة التحكم المالي والتأديبي في أعناق القضاة.
العدل أساس الحكم أو الملك، بتعبير ابن خلدون قبل قرون، ولا يمكن اختزاله في وزارة العدل، التي تعتبر أداة وظيفية تدبيرية لشؤون العدالة، أي ما لا يريد أن يفهمه وهبي، الذي اعتقد في يوم من الأيام أنه يمتلك من المقومات ما يجعله يعرف “تقاشر” مسؤول محلي، ما لا يعرفه هو أن وزارة العدل ومنذ قرر جلالة الملك السير خطوات كبيرة في هذا المجال، هو أن وزارة العدل أصبحت لها فقط اختصاصات بناء المحاكم وشراء المكاتب والأوراق وأدوات النظافة وتدبير سير المرفق العمومي.

Exit mobile version