إدريس عدار
شاهد العالم أشهر صفعة في التاريخ. لقد كانت على الهواء مباشرة، حتى ظن كثيرون أنها مجرد مسرحية. الممثل ويل سميث يصفع مقدم حفل الأوسكار كريس روك بعد أن سخر من زوجته التي يتساقط شعرها بسبب مرض غريب. لم يعن لي الأمر شيئا في البداية حتى استمعت إلى فقرة فنية بإحدى الإذاعات، حيث عرضت مقدمتها ردود فعل نخب كثيرة اعتبرت هذا الفعل “عنفا”. هل هو فعل عنف؟
في القضية سؤال مثير للغاية: أليس السخرية من امرأة يتساقط شعرها بسبب المرض عنفا أشد إيلاما من الصفعة نفسها؟ قبل الحديث عن وصف أي فعل بالعنف لابد من تحرير محل النزاع. ما هو عنف وما هو ليس عنفا؟
تحدث بيار بورديو عن العنف الرمزي هو يسري في المجتمع مثل دبيب النمل، حتى أن الذين يمارس عليهم لا يعرفون أنهم ضحية العنف. يتم تمريره للجسد بطريقة السيروم، من خلال المدرسة والفن والإعلام.
من له الحق في وصف الصفعة بالعنف والتنكيت في حق سيدة مجرد دعابة؟ قبل هذا وذاك لابد من التفاهم أولا على معنى العنف.
ما نراه عنفا قد يكون أحيانا مجرد قوة لتحقيق التوازن. وما نراه نعومة قد يكون عنفا. لنأخذ مثالا كبيرا في هذا الشأن. في العلاقات الدولية يتم معالجة التوتر بالقوة الخشنة وأحيانا بالقوة الناعمة. نعرف أن الحرب هي استعمال للسلاح وممارسة للقتل، ولهذا نسميها عنفا. مع العلم أن الحرب إن كانت مكتوبة عليك تخرج من دائرة العنف إلى القوة.
لكن لا أحد ينظر إلى القوة الناعمة، المفهوم الذي صاغه جوزيف ناي، على أنها لا تنتمي لدائرة العنف. وهي عنف أخطر لا يكاد يراه إلا المهتمون. كما توجد القوة الذكية وقوة الإخضاع وهي أيضا لا تستعمل القوة المسلحة. لكن قد تكون أكثر تدميرا. في محاولة إخضاع دولة قد تمنع عنها الغذاء والدواء. فيموت ناس كثيرون ربما أكبر ممن يموتون بالسلاح.
ما تراه أنت عنفا لا يراه الآخر كذلك، وما تراه أنت قوة يراه آخرون جريمة، ولهذا قبل الحكم على قضية لابد من تحرير محل النزاع، حتى يمكن أن نصنف الفعل هل هو عنف أم قوة، ومما يعقد العملية أن الأحكام في وقتنا لا تخضع لقواعد المنطق حيث يطغى الحجاج وتتلبس الحقيقة بالبهتان والزور ويتم تسويق صورة عن الآخر غير تلك التي هي الحقيقة.
الشيطنة فعل تصرف عليه الدول الملايير. سلطة المال التي تتحكم في باقي السلط وتطوعها وتجعلها خادمة لها هي التي ترسم مسارات صناعة الرأي العام عبر وسائل عديدة يوجد من بينها ومن أخطرها الإعلام. هل نعرف اليوم ما جرى ويجري في شرق أوروبا؟ صورة واحدة هي الطاغية وهي التي يُصرف عليها الكثير. الوجه الآخر للصورة مخفي بقوة السيطرة.
الذين روجوا لعنف الصفعة هم الذين سكتوا عن جرائم فظيعة ضد البشرية أو هم من برروها. لهذا العنف مفهوم ملتبس.
