أحيانا نضطر للمقارنة من باب إقامة الحجة ونحن نعرف أنه لا قياس مع وجود الفارق. لكن هناك تشابه في الأسماء والمسميات. فعزيز أخنوش، رئيس حكومة المغرب، وإلزا تراس، رئيسة حكومة بريطانيا. يتوفر أخنوش على أغلبية في البرلمان كما تتوفر تراس على أغلبية، وسينصب حديثنا هنا عن الأغلبية ومفهومها. لم نكن ننتظر حدثا بريطانيا حتى نكتشف أن الأغلبية عندنا ملتبسة وغامضة ومفهومها غير دقيق.
منذ اليوم الأول كتبنا في هذه الصحيفة، وعندما نقول كتبنا فليس ادعاء لأن ما هو مكتوب موجود ويمكن العودة إليه، (كتبنا) أن اللبس يكمن في كون الأغلبية في الحكومة هي نفسها الأغلبية في البرلمان بشكل يتماهى فيه الطرفان، ولهذا لا يمكن الحديث عن فصل للسلط في ظل هيمنة الأغلبية الحكومية على الأغلبية البرلمانية، التي انبثقت منها، وفي غياب معارضة قوية، وهي اليوم مكونة من حزب تعرض لـسقوط انتخابي حر وحزب يتعلم المعارضة بعد ستين عاما من المشاركة الحكومية وحزب مطرود للمعارضة.
نعود إلى موضوعنا. إلزا تراس رئيسة الحكومة البريطانية، متخوفة جدا من ألا تستطيع إقناع أغلبيتها، بمعنى أعضاء حزبها، بمشروعها الإصلاحي، وكانت قد قالت في مقابلة مع قناة بريطانية إنه كان عليها “أن تعد بشكل أفضل” لخطة التخفيض الضريبي التي خفضت الضرائب على الأغنياء وأثارت اضطرابات في السوق، وأوضحت أنها متخوفة من عدم القدرة على إقناع أغلبيتها، أي حزبها.
الشاهد عندنا ليس ما قالته تراس ولكن معنى ومفهوم الأغلبية.
الأغلبية ليست آلية للتصفيق، ففي برلماننا قالت الأغلبية للمعارضة “سيروا تموتوا” فنحن أغلبية عددية وسنمرر كل القوانين بالتصويت. بمعنى رئيس الحكومة، الذي يصفق عليه أعضاء حزبه دون أن يناقشوه، ويصفق عليه برلمانيوه وبرلمانيو الأحزاب المتحالفة معه، لن يكون مضطرا لإقناع أحد أبدا. فالأغلبية هنا ليست للنقاش وتجويد القوانين قبل عرضها، ولكن للتصفيق والتصويت بـ”نعم” على مشاريع الحكومة مهما كانت.
الأغلبية الحقيقية هي التي يخاف منها رئيسها ويسعى لإقناعها قبل إقناع غيرها، وإذا ما اتفقت هذه الأغلبية يخضع الجميع لقرارها بمن فيهم المعارضون له من داخل الحزب وذلك بشكل ديمقراطي.
عندنا أغلبية موافقة على كل شيء دون أن تراه، ودون أن يتم إخبارها به، ولا يكلف أخنوش نفسه عناء الحديث إليها أو حتى يجاملها بالتعرف على قراراته أولا، فهو ضامن لأغلبية تابعة بشكل أعمى، أغلبية تقول للمعارضة كل شيء محسوم عدديا، وهي أغلبية بخلاف التطور الديمقراطي وفصل السلط، حيث الآن السلطة التنفيذية مهيمنة على السلطة التشريعية والسلطة التشريعية مندمجة ومندغمة في واقعها الجديد، ولا تحتاج إلى التطوير والتطور ما دامت مقتنعة بوضعها كأغلبية (الكاف هنا للشتبيه) دورها التصفيق لخطاب رئيس الحكومة والتصويت بالإجماع على ما تأتي به الحكومة.
وهنا الفرق الكبير: رئيسة حكومتهم تخاف من الأغلبية وأغلبيتنا تخاف من رئيس الحكومة.
أغلبيتهم (إلزا تراس والمحافظين) وأغلبيتنا (أخنوش والتجمع والاستقلال والبام)
