Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

أفكار “على غفلة”…عن ضحايا الأنوار والحداثة و”العودة المغشوشة إلى الذات”

إدريس عدار
قال عياد أبلال:
كنت ضحية الحداثة الغربية وفلسفة الأنوار. وترافعت عنهما في كل محفل ومنبر، اكتشفت أن الغرب بأنواره وحداثته مجرد قناع للوحشية والبربرية والظلم، اكتشفت كم كنا بلداء حين اهملنا تراثنا وفكرنا الاصيل، وعلى رأسه الفلسفة الاسلامية. وهي التي تأسست على مساحات رحبة من الحب، والرحمة، والجمال، وكرمت الإنسان والإنسانية. كم نحن سذج بلداء. كم يكفينا من الحزن والألم كي نتجاوز الخديعة.؟ (كاتب وباحث، من صفحته على فيسبوك).
محمد أبلاغ:
الآن وقد سقط القناع عن القناع عن القناع، يتبين وبالقطع أن الانطلاق من الخصوصية للوصول للكونية هو الطريق الأنسب للتفاعل الايجابي مع العصر لا الانبهار بالفكر ” الغربي” الحديث والمعاصر، آن الأوان لتسقط الأوهام لكي نتعامل نقديا مع فكر يعتبر الآخرين أناسا بالعرض حياتهم او موتهم سيان، بينما هو الإنسان بالجوهر ” ابيض” وآلي بدون روح ولا وجدان ولا انسانية.
آن الأوان للتعامل النقدي مع كل ما جاءت به المدارس الاوروبية المعاصرة من فكر اناني متعال بغيض. و ربما من خلال النقد قد ينبثق فكر عالمي معاصر جديد، يخاطب الإنسان كإنسان مهما كان لونه أو قناعاته الدينية او الفلسفية في الحياة.
آن لليل أن ينجلي وللقيد ان ينكسر. (باحث، من صفحته على فيسبوك).
………………………

الاستغفال خطر على المعرفة. انتظار الفرصة لتأخذ القارئ على غفلة، لا تنتج إلا ذوقا يستطيب قتل الآخر. هذا معنى أن تنهض متأخرا وتضع تاريخا وراءك وترفع راية التجديد والمواجهة بل ادعاء المقاومة الثقافية. أن تكون أنت مخدوعا لا يعني أن الناس كلها لبست الخديعة. أن تكتشف أنك كنت مخدوعا لا يعني أنك الأول من وصل إلى هذه الحقيقة. كان بالإمكان أن يتحدث الكاتب عن نفسه دون “نون الجماعة”. لقد اكتشف غيرك هذا الأمر قبل أن تولد وقبل أن تعرف كيف تركب الجمل.
لقد سقط القناع فعلا عن الجهل الثاوي في عقول كثير من “المثقفين المغاربة”. الدعوة للانطلاق من الخصوصية إلى الكونية أو اعتبار الكوني لا يمر إلا عبر الخصوصي، أي أن الخصوصية هي تنزيل الكوني من مسلك القيم المحلية، هي دعوة قديمة وليست جديدة، بل تكاد تكون قد تقادمت وتحتاج إلى تجديد.
إذا كان المثقف “المستغفل” منبهر بالغرب وبفكره وثقافته، فهذا شأنه لا يسقطه على الجميع.
تاريخ التعامل النقدي مع الفكر ليس وليد اليوم، بل يكاد يكون هو المؤطر لأغلب المشاريع الفكرية بالعالم العربي والإسلامي، منذ ما سمي بعصر النهضة ومشاريع الانطلاق من الخصوصية لمعانقة الكونية مطروحة. فقد ارتكزت دعوى السيد جمال الدين الأسد آبادي المعروف بالأفغاني، على أساس استعادة الهوية ومواجهة الفكر الغربي ولم يكتف بنقد الفكر الغربي، بل أقام مناظرات مع مفكرين غربيين. ومنذ ذاك الحين لم تخمد جدوة السؤال في الاحتكاك بالفكر الغربي.
وقبل نصف قرن قال المفكر الشهيد علي شريعتي “ما لم تصل الأمة الى مستوى الإنتاج المعنوي والفكري والثقافي فإنها لن تستطيع أن تصل الى مستوى الإنتاج الاقتصادي واذا وصلت اليه ففي مستوى ما يفرضه الغرب وفي صورة خادعة أي في صورة استعمار جديد”و”المجتمع المنتج هو المجتمع الذي يفكر بنفسه ويخلق بنفسه مثله وذهنه وقيمه وفنونه ومعتقداته وإيمانه ووعيه الديني وآراءه التاريخية والاجتماعية ونظامه الطبقي واتجاهاته الجماعية. وعندما يفهم الشرقي أنه من جنس أدنى في الدرجة الثانية ويعتقد أن الغربي من جنس أعلى وفي الدرجة الأولي وصانع للثقافة فإن علاقته به سوف تشبه علاقة الطفل بأمه”.
هذا كله قاله في كتاب، عنوانه “العودة إلى الذات”. قبل نصف قرن كانت هذه الدعوى رائجة ، فما جديد هذا الادعاء؟
وإذا حللت بمغربنا، ستجد أن مفكرا كبيرا مثل محمد عزيز الحبابي بنى أطروحته على ما أسماه “الشخصانية الإسلامية”، ويعتبر سالم يفوت أنها “أحد المذاهب الأكثر تقدما والأكثر انفتاحا على المعطيات العلمية والتجريبية الحديثة، وأكثر معانقة لقضايا الإنسان والتاريخ”، مؤكدا على أن الحبابي حاول من خلالها إيجاد فلسفة تناسب الخصوصية، مشددا على أن الحبابي وإن كان ردد أفكار مويني، فهو لم ينقلها حرفيا بل أعاد إنتاجها بعين مثقف مغربي.
ما كتبه المفكر الراحل محمد عابد الجابري، ألم يكن في سياق مواجهة الفكر الغربي من خلال إعادة قراءة للتراث الإسلامي؟ وإن كان قد استدعى أدوات الفكر الغربي، إلا أنه لم يستعملها كما ولدت هناك، بل ساهم في تبييئها.
دعوى أخرى رفعها إدريس هاني تحت عنوان “مشروع التبني الحضاري والتجديد الجذري”، وهي مبنية على التفاعل مع الفكر الغربي دون التسليم له، أي ممارسة النقد هدما وبناء، وقدم نقاشات منذ أكثر من ثلاثة عقود، أدرج بعضا منها في كتاب: “العرب والغرب”.
ونسي أصحاب الادعاء الجديد، أن المفكر المغربي طه عبد الرحمن بنى كل مشروعه الفكري على أساس “فلسفة إسلامية خالصة”، تحت عنوان “التقريب التداولي”، وهي في حدود انغلاقها، كان على هؤلاء تبنيها والتبشير بها، لا ادعاء الاستئناف في الفكر العربي الإسلامي. كما لو أن بحث الخصوصية وإعادة تأصيل الحداثة، الآن بدأ. فهذا نوع من التجني على الثقافة العربية والمغربية وما أنتجته خلال قرن من الزمن.
المشكل ليس في هذه اليقظة المفتعلة والمتأخرة، ولكن في استعادة إشكالات مطروحة منذ قرن من الزمن أو أكثر دون الوقوف عند المؤسسين لهذا النقاش. أسئلة قديمة يتم إحياؤها وكأن أحدا لم يطرحها. وكان بالإمكان الانخراط في المشاريع المطروحة والبحث عن ثغرات لم يرها آخرون والعمل على إكمال تلك المشاريع.
صدرت قبل سنوات مجلة من بيروت تحت عنوان “الاستغراب”، منطلقها هو أن الغرب يفكر ونحن أيضا نفكر. ووصلت إلى حدود ثلاثين عدد أو أكثر. تناولت بالنقد والتمحيص الفكر الغربي وكبريات الفلسفات.
ولو كان المدعي فعلا قارئا للحداثة والأنوار، لاكتشف قبل غيره أنه من داخل الفكر الغربي نفسه ظهرت نزعات نقدية جذرية للأنوار، ويكفي هنا الإشارة إلى “مدرسة فرنكفورت”.
في الواقع أن المعني بالنقد ليس هؤلاء ولكن من استشهدوا بهم بطريقة ما أو من تلصصوا على ما كتبوا وكأنهم هم من تفتقت عبقرياتهم لاستئناف التجيد بل لميلاد ثقافة وفلسفة أصيلتين.
مشكلتنا أننا لا تتوفر على معايير ومعلومات عن تفاصيل ما قدمته الايديولوجيا العربية الحديثة، ونحب أن نبدأ من حيث صدمتنا بما اكتشفناه متأخرين وليس من حيث انتهت مشاريع فكرية معروفة. كذلك التسرع في الأحكام واختصار مسيرة الفكر العربي والانساني في حدود تجربتنا وآخر ما تصفحنا من كتب وصلتنا في عصر عمرنا، فتكون حماستنا دليلا على انبهارنا المتأخر بالأفكار. وهذا يعتبر في معايير النقاد أنه ناتج عن قصور في التجربة الفكرية وتسرع في الأحكام واستغباء للقارئ.

Exit mobile version