Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

ألمانيا والتاريخ الذي يوجد أمامَها لا خلفَها

محمد فارس

لـمّا تولّى البابا الألماني [بيندِيكت: 16] قيادة البابوية في [الفاتيكان]، كان أول وأبرز ما قام به هو الاستشهاد بكلامٍ مُشين لإمبراطور صليبي في حقّ نبيّنا [محمّد] عليه الصّلاةُ والسلام، وفي حقّ الإسلام والمسلمين؛ فبعثَ إليه جلالةُ الملك [محمد السادس] برسالة شديدة اللّهجة، وقال له إنّ الإمبراطور الذي استشهدْتَ به لا مِصداقيةَ له، وعليك أن تطّلع على الإسلام في أصوله وعلى نبيّه من خلال سيرته، وإنّي أستغرب، يقول جلالتُه، أن يَصدر هذا الكلامُ من [بابا] كان عليه أن يَدعو إلى التسامح وإلى احترام الأديان.. لم يمكثْ [بينديكت: 16] طويلاً على رأس [الڤاتيكان] حتى حطّمه المرض، وتخلّى عن منصبه، وخلَفه [البابا فرانسيس]؛ وإنّي لأتساءل كيف أصبح [بابا] وهو صليبي، لُوثَري، على رأس دولة [الڤاتيكان] التي حصلتْ على استقلالها بفضل [موسُّوليني] بعد اتفاقية [لاتْران]؟

قد يسألني القارئ الكريم قائلا: ومدليلكَ على أنّ [ألمانيا] دولة صليبية بامتياز؟ إن الذي لم يقرأْ تاريخَ الصّليبية الدّموي، فإنّه يرتكز فقط على ما يسمعه في قنوات الباطل، والكذب، لذلك فإنّه يسمع فقط [فرنسا] وملكها [كوديفْري] صاحب مجزرة [القدس] الرّهيبة؛ و[قلب الأسد] ملك [بريطانيا] وهجْمته الرّهيبة، لكنّه لا يسمع بحملات [أباطرة] [ألمانيا] الصّليبية، وهذا هو تاريخُها لمن يَجهل أنّه يجهل بإيجاز غيْر مُخلّ: كان الإمبراطور الألماني [فريدريك برباروسا] الأسرع إلى المسير خلال الحملة الصّليبية الثالثة نحو [فلسطين] في (مايو، سنة 1189)، واصطحَب معه ثاني أبنائه [فريدريك] أميرَ [سوَابْيا]، وأرسَل قبْل انطلاقِه، رسائلَ إلى الملوك والأمراء الذين سوف يجتاز بلادَهم، يخْطرهم بعزمه القيام بحملة صليبية إلى [فلسطين]، ويطلب منهم مساعدتَه في اجتياز بلادهم، فكتب إلى (بيلاَ ملك المجر)، و(إسحاق الثاني إمبراطور بيزانطا)، وإلى (قلجْ أرسلان السّلطان السّلجوقي)، كما أرسل إلى (صلاح الدين) رسالةً مفعمةً بالخُيَلاء، والتّهديد، والـمُباهاة، يطلب منه أن يعيدَ كامل [فلسطين] إلى الصّليبيين..

عندما وصل [بارباروسة] إلى سهل (سلُوقية) في (يونيو 1190)، تجهّز لعبور نهر (كاليكادنوس)، ليدخُل إلى مدينة (طرْسوس)، نزلَ إلى حافة النّهر، قفز عن حصانه إلى الماء البارد ليستعيدَ نشاطَه، ولكنّ تيارَ النّهر جرفه، وزلّتْ قدمُه، فغرق بسبب ثِقْل أسلحتِه، وانتشل الجيشُ جثّتَه، وتلى ذلك تفرّق أفرادِه، وشكّلت وفاتُه صدمةً لأتباعه، وللصّليبيين في الشّرق، وكان يقود جيشًا ضخمًا، وكان هذا الجيشُ كافيًا لإحداث مجزرة في المسلمين ولكن الله رفقَ بهم.. اسمُ هذا الإمبراطور الصّليبي [بارباروسا]، هو الاسم الذي سمّى به [هِتلر] حملتَه ضدّ [روسيا]، فكانت بداية النّهاية بعد استسلام قائد الجيش النّازي في [ستالينغراد] الجنيرال [باولوس]، واقتيد رُبْع مليون جندي ألماني إلى المعتقل سنة (1943) كما هو معروف، وكانت نهاية [هتلر] النّازي أبشع من نهاية [بارباروسا] الصّليبي الألماني؛ وللتذكير فقط، فلفظةُ [بارباروسا] تعني اللّحية الحمراء، وبالفرنسية [barbe rousse].. ثم ماذا؟

حدثتْ نزاعات داخل الأسرة الأيُّوبية بعد وفاة (صلاح الدين) ممّا أَغرى الإمبراطور الألماني [هَنْري السّادس]، وكان من أشدّ المتحمّسين لإثارة الحرب الصّليبية الرّابعة؛ لذا كان أول عمل قام به، هو محاولة استعادة، ما للألمان من مكانة في الأراضي المقدّسة، فأعدّ حملةً صليبيةً لهذا الغرض، ولم تلبث جُموع الصّليبيين الألمان أن توافدتْ على بلاد (الشّام)، ووصلتْ طلائعُهم إلى [عكّا] في (غشت 1197)، ولم تلبث جيوش المسلمين أن أحاطتْ بالجنود الألمان عند (رأس الماء) بِمَرج [عكّا].. كان الإمبراطور الصّليبي الألماني [هنري السادس] واقفًا أمام نافذة، وفجأة دخل عليه رسُلُ (البيَازِنَة)، فتراجعَ خُطوات إلى الخلف، والنّافذة مفتوحة، فهوى مع تابعه إلى الرّصيف، ولقي الاثنان حتفهما، وما حدثَ من اختفاء [هنري] فجأةً وفي هذه الظروف، أدّى بمملكته كلّها إلى ذُعْر، واضطراب، فكانت خسارةُ الصّليبيين الألمان مزدوجة؛ خسارتهُم بوفاة ملكهم، وخسارتهُم بضياع [يافا] من أيديهم.. ثم ماذا؟ آثر كثيرٌ من القادة الألمان العودة إلى بلادهم، بعدما توالتِ الأخبارُ باندلاع حرب داخلية في [ألمانيا]، وبذلك تبدّدتْ جموعُ الصّليبيين الألمان، وانتهتْ حملتهُم نهايةً صامتةً من دون أن تحقّقَ أثرًا يُذْكَر في بلاد [الشّام] يعيد هيبةَ [ألمانيا].. أما الحملة الصّليبية الخامسة، فشاركتْ فيها [ألمانيا] بواسطة الأطفال، حين بلغتْ بلاد [الرايْن] أخبارُ حملة [ستيڤن] الطّفل الفرنسي، فتشجَّع أطفالُ [ألمانيا] بقيادة الطفل [نيقُولا] من مدينة [كولون]، وأقنَع الأطفال الألمان بأنّ البحر سوف يَنشَقّ فيُهيِّئ لهم طريقًا نحو [فلسطين]، فباءتِ الحملةُ بالفشل، ومات الكثير، وعاد [نيقولا] إلى [روما]، واستقبلهُ [البابا إنوسْت الثالث]، ولكنّ حماقةَ هؤلاء الأطفال الألمان حيّرتْه، فقُبضَ على والد [نيقولا] وشُنِقَ لأنّه شجّع ابنَه على ذلك.. والألمان قلّدوا الفرنسيين في كلّ حماقة، ومنهم تعلّموا العنصرية من [غوبينو] الفرنسي، ولقد كان جيش [نابليون] معظمه من الألمان، من [بروسيا تحديدًا؛ وهكذا، فبعدما رأينا تاريخ [ألمانيا] الصّليبية، سوف نرى غدًا [ألمانيا] الصّهيونية..

 

Exit mobile version