Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

أنا أوسيلفي إذن أنا موجود

إدريس عدار
ما تركه الكوجيطو الديكارتي من جراح في الفكر الغربي أكملت فصوله الثورة الرقمية، التي خلقت بدورها كوجيطو آخر، معبرا عن تحولات الذات في العصر الرقمي. وقد أتاح انقطاع مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وإنستغرام وواتساب) فرصة لإعادة التفكير في الحياة الرقمية بل في الحياة عموما، وهل الأولى مجرد ظلال للثانية أم العكس أم أنهما شيئان منفصلان؟
سنة 2016 أصدرت المحللة النفسانية الشابة إلزا غودار كتابا موسوما بعنوان مثير “أنا أوسيلفي إذن أنا موجود: تحولات الأنا في العصر الافتراضي”، استوحت فيها العبارة الديكارتية الشهيرة “أنا أفكر إذن أنا موجود”، التي مثلت شرحا بفصلها الفكر عن الوجود وأصبح الأول مقدمة للثاني، في عملية تعتبر تدميرا لحدس الوجود السابق على كل فكر.
عبارة “أنا أوسيلفي إذن أنا موجود”، هي خلاصة الشرخ الذي تعيشه البشرية اليوم، فما كان افتراضيا أصبح هو الحياة الحقيقية، وهو ما خلصت إليه الكاتبة إذ تناولت كل ما هو موصول بالشبكات الاجتماعية، أو التشبيك الاجتماعي الناتج عن عالم غير واقعي، بالإضافة إلى كل الصيغ البصرية المرافقة لعملية التشبيك، من تصوير ذاتي (سيلفي) أو تصوير للعالم الخارجي، ودرست الكاتبة التعامل مع الواقع كونه مجرد معبر نحو العالم الحقيقي ألا وهو العالم الافتراضي.
يقول سعيد بنكراد، مترجم الكتاب، “إننا نقول كل شيء عن أنفسنا وعن الآخرين، لم يعد الواقعي ملاذا تحتمي به الذاكرة وتبحث فيه عن حقائق الوجود، بل أصبح يافطة برانية تنشرها العين في مواقع التواصل الاجتماعي. لقد أصبح “الأكل” و”المشي على الشاطئ” و”السفر” أحداثا كبيرة، كما أصبح تعليقا عابرا على حدث عابر “موقعة” حقيقية تنال من الجيمات واللايكات ما لم يحظ به أبطال التاريخ مجتمعين. إنه الاستعراء المعمم: فما الفرق بين كيم كاردايشان، وهي نجمة مزيفة لا تملك من المواهب سوى “فيض من اللحم” تنشره في الفضاء الافتراضي على مدار الساعة، وبين مجموعة من “المتعلمين الذين يقضون اليوم بأكمله يتحدثون عن تفاصيل في حياتهم كانت بالأمس القريب تعد جزءا من “حميمية” يحرص الناس على حمايتها من كل أشكال التلصص. يبدو أننا وصلنا إلى حد الإدمان في ذلك، فلو اختفت شبكات التواصل الاجتماعي، لا قدر الله، لأصيب نصف العالم بالجنون والاكتئاب”.
خوفا على البشرية يطلب الكاتب من الله ألا تختفي وسائط التواصل الاجتماعي، ليس لأهميتها وقد عبر في مقدمة الكتاب عن نزولها بالإنسان إلى مستويات دنيا، ولكن لأنها أضحت إدمانا، أبعدت الإنسان عن واقعيته. فبضع ساعات من الانقطاع أثرت بشكل كبير على الحياة، وكانت لها تأثيرات اقتصادية كبيرة، وفي غياب دراسات عن الآثار النفسية لغياب مواقع التواصل الاجتماعي يبقى ما عبّر عنه رواد هذه الفضاءات دليلا على أن العائلة والكتاب والفيلم وكل ما هو واقعي لم تعد له أهمية بل أصبح فقط جزءا من هذه الحياة الافتراضية، ولم يعد سوى منصة ينطلق منها الإنسان نحو عالمه “الحقيقي” الافتراضي.

Exit mobile version