كل مرحلة من الغلاء أصبحت تنسينا في سابقتها، حتى أن بعض المطالب اليوم لم تعد العودة إلى الأسعار كما كانت قبل الأزمة، ولكن الإبقاء على الوضع الحالي، لأن ما ينتظر المغاربة ليس بالهين، خصوصا بعد أن تبين أن الوضع المالي متهالك، وفي غياب تام للحكومة، التي تمثل “تجمع المصالح الكبرى”، أي أن الربح يذهب إلى جيوب الكبار والخسارة تستخرج من جيوب الصغار.
التضخم وصل نسبة خطيرة، وما زال حبل الجرار على الغارب بما يعني أن هناك تحولات مالية خطيرة، ستؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين، وعلى معاشهم اليومي، إذ أن الأسعار ما زالت في ارتفاع مستمر، حتى أن المغاربة اليوم عادوا إلى المستملحات والنكت القاسية للتخفيف من وطأة هذا الجحيم.
الأسعار في ارتفاع مهول، لكن الحكومة لم تعالج هذا الأمر لا بتدخلات آنية ولا في قانون المالية، المرتقب دخوله حيز التنفيذ مع بداية السنة القادمة، التي لم يعد يفصلنا عنها سوى بضعة أيام، بما يعني أن الحكومة لا يدور في بالها بتاتا أي توجه نحو معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي ألقت بظلالها على كاهل المجتمع، الذي لم يعد قادرا على التحمل بشكل نهائي.
موجة الغلاء التي يعيشها المغرب، والتي لا تهم الحكومة، بما أنها كممثل لتجمع المصالح الكبرى رابحة منها، قد تصل إلى مستويات تجعل الشعب غير قادر على التحمل، وبما أن الحكومة غير مسؤولة عن أي شيء ولا هي تعترف بالمسؤولية أمام أية مؤسسة لا يهمها ما يمكن أن يحدث من توترات اجتماعية نتيجة هذا الغلاء الفاحش.
وفي كل بلد هناك تفكير خاص من أجل مواجهة أزمة التضخم، فهناك بلدان تتدخل مباشرة لأداء فارق الأسعار وهناك دول تبحث عن حلول أخرى، وهي موجودة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، باستثناء حكومة عزيز أخنوش، التي اعتبرت المواطن هو الحل الوحيد لكل الأزمات، فالتضخم يؤدي ثمنه المواطن، المتروك لحال سبيله.
لحكومة لا يهمها ما يتعرض له المواطن من إنهاك مالي واجتماعي، ولا يهمها ما يترتب عن ذلك من مشاكل نفسية واجتماعية، فهي مشغولة عنا بتحقيق التوازنات لـ”تجمع المصالح الكبرى”، وكل همها ألا تخسر الشركات الكبرى، اما الصغرى والمتوسطة فلا يعنيها أصلا أن تموت.
في كثير من الدول هناك الأزمة نفسها التي نعيشها، حتى في أكبر قوة اقتصادية في العالم، التي هي الولايات المتحدة الأمريكية، هناك تضخم وصل إلى حوالي سبعة في المائة، وقد أثر ذلك على التوازنات المالية، وأثر على حياة المواطنين، لكن في المقابل هناك تدخلات للدولة عن طريق الإعانات، التي تعم كافة الأفراد..لأن الدولة رأسمالية ولا يمكنها أن تتدخل في الأسعار فإنها تتدخل لإنقاذ جيوب المواطنين.
التضخم نذير كارثة خطيرة يمكن أن تأتي، لا قدر الله، على الأخضر واليابس لأن الحكومة غير مستعدة للتضحية بمصالح “تجمع المصالح الكبرى”، غير أننا اليوم أمام معادلة صعبة: الوطن أو تجمع المصالح.
أين نسير مع موجة الغلاء؟
