Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

أَبو ذَرٍّ الغِفاري، ما زادَ عن الحاجة فهو سرقة

??????????????????

محمّد فارس
كان [أبو ذرّ الغِفاري] عدوّا للثراء الفاحش، ومعارضًا لا يُشق له غبار للمستأثرين ولجامعي الثروات.. قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما أَقلّت الغبراء، ولا أظلتِّ الخضراء أصدق لهجة من أبي ذَرّ.].. دخل يومًا على [مُعاوية] في قصره بالشام، وقَف يُسائل [معاوية] في غير خَوْف ولا مُداراة عن ثروته قبل أن يُصبح حاكمًا، وعن ثروته اليوم، عن البيت الذي كان يسكنه بمكّة، وعن قصوره بالشّام اليوم، ثم يوجّه السّؤال للجالسين حوْله من الصّحابة الذين صحِبُوا [معاوية] إلى الشام، وصار لبعضهم ضياع، وقصور، وأملاك، وعقارات، ورواتب عالية من بيت مال المسلمين، ثمّ يصيح فيهم جميعًا: [أَفَأَنْتُم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهِم؟] ويتولّى الإجابة عنهم: [نعَم، أنتُم الذين نزل فيكُم القرآن، وشهدْتُم مع رسول الله المشاهِد].. ثمّ يعود ويسأل: [أوَلاَ تَجِدون في كتاب الله هذه الآية: (والّذين يَكْنِزون الذهب والفضة ولاَ ينْفقونها في سبيل الله، فبشّرهم بعذاب أليم..]، ويُتابع: [يوم يُحْمى عليْها في نار جهنّم، فتُكوى بها جِباهُهم، وجُنُوبُهم، وظُهورهُم، هذا ما كنزْتُم لأنفُسكُم، فذُوقوا ما كنتم تَكْنِزون].
فيتدخّل [مُعاوية] قائلاً: [لقد نزلت هذه الآية في أهل الكتاب يا أبا ذرّ!]؛ فيصيحُ [أبو ذرّ] قائلاً: [كلاّ، يا معاوية، بل أنزلتْ لنا ولهم.]؛ ويتابع ناصحًا الجميع أن يخرجوا عن كلّ ما بِأيديهم من ضياع، وأموال، وعقارات، وألا يَدّخر أحدُهُم لنفسه أكثر من حاجات يومه، وتتَناقل المحافلُ والجموعُ نَبأ هذه الـمُناظرة وأنباء [أبي ذرّ]، ويتعالى نشيدُ [أبي ذرّ] في البيوت، والطرقات، ويستشعِر [معاويةُ] الخطر، ويكتُب من فَوْرِه للخليفة وكان له مستشاران يتحكّمان في كل دواليبِ الدولة وهما [الحكمُ] وابنُه [مروان] أو الوزغ بْن الوزغ كما لقَّبهُما رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كتب [معاويةُ] يقول: [إنّ (أبا ذرّ) قد أفْسَد النّاس بالشّام]؛ استُدعِيَ [أَبو ذرّ] وعادَ إلى [المدينة] وجَرى حوارٌ طويل بين الخليفة و[أبي ذرّ] الذي كان جوابُه: [لا حاجةَ لي في دنياكُم]؛ فَنُفِيَ إلى صحراء [الرَّبذة]، وهناك مات..
قضى [أبو ذرّ الغِفاري] حياتَه كلها يحدِّق في أخطاء الحُكم وأخطاء المال والثروة؛ فالحُكمُ والمالُ يمْلكان من الإغراء والفِتنة ما كان يخافُه [أبو ذرّ] على الأمّة؛ والحُكم والمالُ أيضا هُما عصب الحياة للأُمم، فإذا اعْتَورها الضّلال تعرضت مصايِر الناسِ للخطر الأكيد.. لقد كان [أبو ذرّ] يتمنّى لأصحاب رسول الله، ألاّ يلي أحدٌ منهم إمارةً، أو يجْمع ثروةً، وأن يظلّوا كما كانوا روّادَ الهُدى وعبّادًا لله.. كان [أبو ذرّ] يعْرف ضراوةَ الدنيا، وضراوةَ المال، ولطالما سمِع النّبيَّ الكريم يُحذّرُ أصحابه من إغراء المناصب، ويقول عنها: [إنّها أمانة، وأنّها يوم القيامة خزْيٌ وندامة، إلاّ من أخذها بحقِّها وأدّى الذي عليه فيها.]؛ لقد بلغ الأمر بأبي ذرٍّ إلى تجنّب إخوانه إن لم يكن يقاطعُهم، لأنّهم ولوا مناصب وصاروا بطبيعة الحال أثرياء..
لقيَ ذات يوم [أبا موسى الأشعري]، فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه: [مرحبًا (أبا ذَرّ)، مرحبا بأخي!]، ولكن [أبا ذَرّ] دفعه عنه وهو يقول: [لسْت بأخيك، إنّما كنتُ أخاك قبل أن تكون واليًا وثريًا].. كذلك لقيه [أبو هريرة] يومًا، واحتضنه مُرحّبًا، ولكن [أبا ذرّ] نحّاه عنه بيده جانبًا، وقال له: [إليكَ عنّي، ألستَ وُلّيتَ الإمارة، فأصبحتَ ذا مال، وتطاولتَ في البنيان، واتّخذتَ لكَ ماشيةً وزرعًا؟]؛ ومضى [أبو هريرة] يدافع عن نفسه، ويبرِّئُها من تلك الشائعات.. عُرِضت عليه يومًا إمارة [العراق]، فقال: [لاَ والله، لن تَميلوا عليَّ بِدُنياكم أبدًا].. سأله أحدهُم ذات يوم، رآه يلبَس جِلْبابًا قديمًا فسأله: [أليس لك ثوب غيْر هذا؟ لقد رأيتُ معكَ منذ أيام ثوبيْن جديديْن؟]، فأجابه [أبو ذرّ]: [لقد أعطيتُهما من هوَ أَحْوَجُ إليهما مِنّي]..
والآن، يعالج [أبو ذرّ] سَكرات الموت في صحراء [الرّبذة]، وبجانبه السيدة السّمراء الضامرة، وهي بجانبه تبكي، إنّها زوجتُه، فيسألُها: [فيمَ البُكاء والموتُ حقّ؟]؛ فتجيبه: [إنّك تموت، وليس عندي ثوبٌ يسعُك كفنًا]؛ فيبتسم ويقول لها: [لا تَبكي، لأني سمعتُ رسول الله يقول (ليموتنّ رجلٌ منكم بِفَلاة من الأرض تشهَده عصابةٌ من المؤمنين]؛ فإذا بقافلة قادمة، وعلى رأسها [ابنُ مسعود] الذي قال: [صدق رسول الله، تمشي وحدك، وتموتُ وحدك، وتبعثُ وحدك]، ويدفن [أبا ذَرّ] رحمه الله..

Exit mobile version