Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

إدريس هاني يكتب عن مؤتمر الإخوان المسلمين بتركيا

ادريس هاني

في سياق متخم بالفشل والانكسارات يقيم تنظيم الإخوان المسلمين مؤتمرا استعراضيا ضخما في إسطنبول، وهو ما تبقّى من عواصم الإخوان بعد الدوحة للتأكيد على وجود التنظيم واستمراريته، وهي الاستمرارية التي سيعبر عنها نائب المرشد العام للإخوان إبراهيم منير حسب وكالة الأناضول بقوله “ستظل (الجماعة) ماضية على طريق الدعوة إلى الله، وفكرها لا يزال بعافية”.

انطلقت أشغال المؤتمر الذي حضره أزيد من 500 شخصية من العالم العربي والإسلامي من 20 دولة يوم السبت(14/9/2019)، تحت عنوان: “الإخوان المسلمون .. أصالة الفكرة، واستمرارية المشروع”، ومع وجود عنوان تبسيطي كهذا ومجمل التصريحات كنا أمام مؤتمر استعراضي وليس مؤتمرا مراجعاتيّا. ذلك لأنّ التأكيد على الاعتدال والوسطية ونبذ العنف الذي عبر عنه المشاركون هي مواقف لا تحمل ضمانات في صميم أيديولوجيا ترفض الاختلاف، وهي عبارة لا تملك أي ضامن لتحققها في سلوك الجماعة التي أيّدت العنف في مناطق كثيرة في العالم بما في ذلك بلدا عربيا كسوريا لا زالت الجماعة تتربّص به في عملية ثأر يدركها أي خبير بمسارات الإخوان وطبيعة خطابهم المزدوج.

وسيجد حزب أوردوغان في هذه الاستعراضية ما يعزز به موقفه داخل تركيا لا سيما إزاء منافسيه وخسارة موقعه في إسطنبول. ولقد استمر المؤتمر وفق الخطاب التقليدي الذي يختزل الإسلام في جماعته حين اعتبر أنّ الكراهية للتنظيم تنطلق من الكراهية للإسلام، وهذا ليس بالضرورة الجواب الحقيقي لأنّ السؤال نفسه ملتبس، فالخلاف مع الإخوان ليس في الإسلام بل في طريقة استعمالهم للإسلام في مشاريع رجعية وفي سياق تمكين يصل إلى الاندماج في مشاريع إمبريالية كما حصل خلال السنوات الأخيرة بشكل واضح، وهم اليوم يدفعون فاتورة حصان طروادة في هذا المشروع. فلقد باع الإخوان الإسلام نفسه للإمبريالية ما أن وصلوا إلى الحكومات، فكانت تقيتهم غير دقيقة حتى في فقه التقية لأنها تقية أدت إلى إسالت دماء مسلمة أيضا في بلاد عربية كثيرة ولأنها ساهمت في الخراب، والتقية حين تكون في الدماء والخراب تصبح حراما، فالشكل “التقوي” الذي يمارسه الإخوان ونظراؤهم هو الأخطر من نوعه لأنهم يمارسونه من دون فقه، وبالتالي يصعب معرفة حدوده ونهاياته. بل وجب القول بأنّ التقية سلوك لتحقيق الاعتدال والوسطية ولا يمكن استعمال هذين المفهومين تقية لأغراض دموية أو تسلطية. إنّ الجماعة ليس فقط تفتقد للوعي السياسي والاستراتيجي بل أيضا تفتقر إلى الفقه.

إن عبارة اعتدال ووسطية لا تكفي في التوصيف لأنّ منهج الجماعة استئصالي وتآمري وغير قابل للتعاطي، فهي جماعة لم تبلغ رشدها بعد ولن تفعل لأنها ألفت الانتقال من تقية إلى أخرى، فهي تدبّر المرحلة بمواقف مغشوشة، وتختفي خلف التبسيط الذي تحيطه بشكل من العقلانية المزيفة التي لا تتجاوز مستوى عقلانية البرمجة اللغوية العصبية.

إنّ سيكولوجيا الجماعة تعمل بمنطق الحشد وهي ليست في وارد القيام بمؤتمر مراجعاتي، ولذلك فاستعمال عبارة الوسطية والاعتدال مفاهيم مخاتلة، والتلويح بها في تكرار ممل غير مصحوب بثورة على الأفكار إنما يُلجأ إليه للإقناع بعدم الحاجة إلى المراجعة، إنّ عبارة وسطية هي من المفاهيم التي تؤمن بها النّصرة وداعش أيضا ، فهم لا يعتبرون أفعالهم تطرفا بل في قلب الوسطية، ولا يكفي في ذكر الوسطية أن ترافقها مواقف سياسية ملتبسة، كالتآمر مع الغرب السياسي في الوقت الذي لا يوجد أي صلة بين الإخوان والغرب الثقافي والاجتماعي وهي العملية التي حاول الإخوان أن يخفوا من خلالها هشاشة مفهوم الاعتدال والوسطية والانفتاح حيث لما انفتحوا انفتحوا على المشروع الإمبريالي وتحولوا إلى عنصر تخريبي.

نعم هناك أشكال متعدد اليوم من انتقاد الإخوان، وأبرزها في هذا السياق هو الحرب التي يخوضها حليف قديم لهم، بل الحليف الذي منحهم الفرصة التاريخية للاستقواء، وكما أنّ الإخوان ينطلقون من اصطفاف فخصومهم أيضا، ونعني بخصومهم المجموعات التي تعمل خارج المحور التركي-القطري، وهي معركة سطحية وملتبسة، لكن الإخوان ومن خلال استعراضاتهم يحاولون إثبات وجود يكذبه السياق العام الذي تمرّ منه المنطقة.

كان يتعين على مؤتمر كهذا أن يعيد النظر في كثير من الأسس والأفكار والمواقف وأن يخرج من حالة الاحتقان والكراهية والأحقاد والاختزالات والميل المفرط للاستئصال الذي يسببه التنظيم المغلق الذي يعيش على سبيل الإزدواجية والكفّ عن الرغبة في السلطة عن طريق العنف والتآمر والكفّ عن الشعور المزمن بالمظلومية في الوقت الذي سيطرون فيه على الحكومات ويدعمون فيه جماعات إرهابية كثيرة ماديّا ومعنويا كما فعلوا إزاء الجيش الحر والنصرة وما شابه. إنّ واقع الإخوان في الساحات يتناقض مع عبارة وردت في الكلمة الافتتاحية لنائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير، يقول فيها: “موقف الإخوان المبدئي الرافض للتطرف والإرهاب، بكل أشكاله وأنواعه أيا كان مصدره، قولا وعملا وسلوكا، وتربي أبناءها على ذلك”.

إن أصالة الفكرة التي عنون بها المؤتمر ليست واضحة حين لا نقرأها كإنشاء تبسيطي، فالأصالة تستتبعها النجاعة والتجدد والحداثة ، ولا يوجد في فكر الإخوان ما هو متجدد وحديث، كما أن استمرارية المشروع عبارة غامضة إذ وجب السؤال: أي مشروع هذا للإخوان سيستمر كما لو أن شيئا من كل هذه الفظاعات لم يقع؟

ليس بالضرورة أن ناقد الإخوان هو من خارج التنظيم، فهذا أحمد عبد العزيز المستشار الإعلامي للرئيس الراحل محمد مرسي ينتقد المؤتمر ويعبر عن أنه تألّم وشعر بغصّة حين اطلع على العنوان، واعتبر في تدوينة في حسابه في الفايسبوك أن العنوان يجيب عن سؤال لم يطرح، لأن السؤال هو: هل فكرتكم إسلامية أصيلة؟وهل مشروعكم مستمر بعد كل هذا التنكيل بكم؟ وماذا ستفعلون في الأيام القادمة، وهي ستكون حبلى بالمفاجآت والسيناريوهات حيث لن يكون للإخوان فرصة للسماح لهم بالمشاركة في صياغتها، هذا في نظر المستشار الإخواني ما يجب الإجابة عنه وليس الجواب عن أسئلة لم تطرح.

ثم يسترسل المستشار الإعلامي السابق لمرسي في تساؤل عن الخلل، وقد رأى أن الخلل يكمن في “غياب استراتيجية إعلامية، يتم – في ضوئها – ترتيب القضايا التي يجب طرحها، من حيث الأهمية، موضوعا، وتوقيتا” ، أمّا الخلل الثاني فيتعلق حسب المستشار بضعف القدرة التسويقية لفكرة الإخوان، ويقول بالحرف:

“ضعف الفريق القائم على (تسويق) فكرة الجماعة، وإعادة تقديمها للعالم .. فهو لا يعرف – بالضبط – من أين يبدأ، ولا كيف يصيغ رسالته (التسويقية) !! بمعنى آخر، فإن هذا الفريق يخلو من شخص مختص في التسويق الإعلامي، أو هو موجود، ولكنه محدود القدرات، أو عاجز عن إقناع زملائه في الفريق، بضرورة إسناد (الصياغة التسويقية) إلى شخص محترف، له قدم راسخ في هذا المجال، ويطلق عليه “Copywriter”.. وهناك – من أبناء الجماعة – مؤهلون كُثر، يمكنهم القيام بهذه المهمة، ومهام أخرى في الإطار ذاته بجدارة .. فالصياغة التسويقية للأفكار، تحتاج – أيها الأعزاء – إلى مؤهلات غير أن تكون بليغا، أو لغويا، أو شرعيا”.

والمستشار الذي نتحدث عنه هنا هو من قادة الإخوان والمقربين لمرسي وهو له سابقة في التسويق بالإمارات، ومتحاذق في تسويق المضمون الإخواني مع تعصّب تقليداني يسكن في عمق ثقافته، ويبدو لي إنّه لم يعد للإخوان إلاّ أن يطبقوا أمرين:

– تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية التي تجعلهم على طريقة كارنيجي يقولون: دع القلق وابدأ الحياة، وأيضا كيف تصل إلى الحكومات في خمسة أيّام.

– تطبيق خبرتهم في السّوق والعرض التجاري، ولست هنا في وارد التذكير بكتاب الصديق بتريك هيني: إسلام السوق، الذي ألفه داخل الاحتكاك بظاهرتهم في السوق في إطار مركز الدراسات الاجتماعية والاقتصادية الذي كان يرعاه صديقنا أيضا المرحوم “آلان روسيون”مدير مركز التوثيق الفرنسي السابق ومدير مركز الدراسات الاجتماعية والقانونية بالقاهرة «سيداج»، وفيه يؤكد بتريك على أن البديل الذي انتهى إليه من خلال دراسته الميدانية هو إسلام السوق، كما تؤكد هبئة عزة رؤوف مترجمة الكتاب – ما يؤكد إعجابهم بمقاربته لحقيقة واتجاه الظاهرة – بأنّ الإخوان هم اقتصاديا ليبراليون. هذا كلام استفاده بتريك ممن ساهموا في كل النقاشات الميدانية التي قام بها وأيضا استفادته من محاوراته مع أوليفي روا، وهو باحث مجتهد أعرف كيف يفكّر، ومأخوذ بالسوسيولوجيا وغوايتها. وأحسب المستشار السابق لمرسي واقع في هذا السياق، الذي جعل الكثير من الخبراء في راند الأمريكية ودير كارنيجي ومعاهد أخرى يرفعون تقارير منذ سنوات عن أنّ الإخوان هم الخيار المتاح في سياق العولة وتدفق السياسات الليبرالية المتوحّشة، فهو يحتفظون بهذه القابلية وأيضا ستجعلهم غريزة التمكين ومركب ستوكهولم أكثر قابلية للاندماج في سياق عولمي، ولكن إذا عدنا إلى غراهام فولر مسوق النموذج الأوردوغاني وإمكانية احتواء الإخوان في ربيع عربي يمكنهم من السلطة، فسنجد أنّ الإخوان لهم قدرة على التدبير الاجتماعي، فالإخوان يمكن أن يقدموا لليبرالية المتوحشة كل شيء وينهضوا بالمجتمع من خلال الأعمال الخيرية.

لا شكّ أنّ سوريا كانت مستهدفة إخوانيا من منطلق إسلام السوق الإخواني لتقويض آخر قلاع الدولة الاجتماعية التي لا زالت تتبرّم من صندوق النقد الدولي وتمنح السياسة الاجتماعية مكانا كبيرا. فالبعد السّوقي هنا أبعد مدى من أصالة الأفكار، لأنّ المستهدف سواء في مصر أو سوريا هو القطاع العام، ولا أحد مؤهّل لانتزاع وسائل الإنتاج وأنماط التوزيع وسياساته من الدولة الاجتماعية -كما هو الحال في سوريا – أو المؤسسة العسكرية – كما هو الحال في مصر – غير الإخوان. هو إذن ثأر الرأسمال والسوق.

ولن تخرج قصة تسويق فكرة الإخوان عن تسويق أي بضاعة في السوق للإلتفاف على الزبون المفترض. وحين أقول بأنّ المستشار المذكور متحاذق فلأنّني أيضا أعرفه ولاحظت في حديثه تقنية تواصلية تسويقية على الأقل لم تقنعني وقتها (للقصة تفاصيلها)، ولكن التحاذق في التواصل لا يكفي إذا خرجنا من خداع البرمجة اللغوية العصبية، المدرسة التي يستقي منها الإخوان أساليبهم في التواصل عبثا.

ادريس هاني:18/9/2019

Exit mobile version