أمر قاضي التحقيق بالاستماع إلى إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، بناء على شكاية مرفوعة ضده داخل التراب الإسباني، الذي دخله الشهر الماضي تحت هوية مزورة وجواز سفر جزائري، وقد تقررت جلسة التحقيق الأولية، غدا الأربعاء للتأكد ما إذا كان وضعه الصحي يسمح بالاستماع إليه، حسب ما ذكرت وسائل إعلام إسبانية. والأمر يتعلق فقط بشكاية واحدة للفاضل بريكة، وهو عضو من البوليساريو حاصل على الجنسية الإسبانية، يتهم فيها زعيم المرتزقة بالاختطاف التعسفي والاعتقال والتعذيب، وهناك عشرات الشكايات من مغاربة وإسبان بتهم القتل والتعذيب وحتى الاغتصاب.
عند الامتحان يعز المرء أو يهان كما يقال. إسبانيا دولة ديمقراطية مبنية على العدالة وحقوق الإنسان، فهي مطالبة اليوم بتجسيد كل هذه القيم التي قامت عليها مملكة إسبانيا الحديثة بعد التخلص من دكتاتورية الجنرال فرانكو، وأي تقاعس في تنفيذ قرار قاضي التحقيق سيضر بسمعة إسبانيا، التي لن تجد مفرا هذه المرة من تنفيذ القانون، حيث كانت تتحجج بغياب المتهم عن أراضيها، وها هو اليوم قريب منها ووسط مستشفياتها.
لا يوجد أي تعارض بين استقبال إبراهيم غالي “لأسباب إنسانية” كما قالت الحكومة الإسبانية، بعد أن تمكنت المخابرات المغربية من الكشف عن حقيقة صاحب هوية محمد بن شبوط، الذي ليس سوى إبراهيم غالي، وبين الاستماع إليه، لأن لو كان المرض مانعا من العدالة وإحقاق الحق ما تمت محاكمة أي شخص، لأن كل المتهمين حينها سيدعون المرض. الأسباب الإنسانية قد تؤخذ بعين الاعتبار أثناء المحاكمة وفي التماس ظروف التخفيف وفي قضاء العقوبة.
المرض لم يكن في يوم من الأيام مانعا من إقامة العدالة، وحرصا من المجتمع الدولي على هذا المبدإ فقد تمت محاكمة موتى، يعني أناسا لن يطالهم العقاب في الدنيا، ومع ذلك تم الحكم عليهم لأن في ذلك إنصافا للضحايا، فإذا كانت الوفاة غير مانعة من المحاكمة فبالأحرى أن يكون المرض أكثر من ذلك.
إذن الاستماع إلى غالي يضع إسبانيا أمام المحك، فإما أن تكون دولة خاضعة للقواعد التي وضعتها بنفسها ولم يمْلِها عليها أحد، أو ستقع في التناقضات الصارخة.
غير أنه ينبغي الإشارة بقوة إلى أن ما يعني المغرب في الملف هو أكبر من الاستماع إلى غالي في قضية تربطه بمواطن إسباني الجنسية، ولكن هو هذا الخلل الكبير الذي وقعت فيه باستقبالها لشخص يعتبر عندنا مجرما وعند كثير من الإسبان وأحرار العالم. الإصرار من قبل المغاربة على محاكمته هو لوضع إسبانيا أمام الحقيقة، ولكن ما يهم المغرب، هو حقيقة وجوده فوق الأرض الإسبانية، في وقت يشترك البلدان في كونهما ضحايا للإرهاب الذي مارسته البوليساريو، ناهيك عن الشراكة في العديد من القضايا خصوصا الاستثمار في قطاعات عديدة وعلى رأسها الفلاحة بل أكثر من ذلك أن المغرب يعتبر سدا منيعا في وجه الهجرة السرية نحو إسبانيا، وما كان للحكومة الإسبانية أن تقدم على هذه الخطوة، حتى لو كانت الحالة قصوى كان عليها أن تخبر المغرب.
إسبانيا أمام محك “غالي”
