أكدت منظمة “أوكسفام” في تقرير صادر عنها تزامنا مع اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بمراكش، أن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا لاتزال تعاني من آثار الجائحة، وأزمة تكالیف المعیشة التاریخیة والدین العام المتصاعد، حيث زادت ثروات الأغنیاء، لكن باقي الناس يكافحون للتعافي من الصدمات الاقتصادیة المتعاقبة.
وأشار التقرير أن عقودا من سیاسات التقشف في جمیع أنحاء المنطقة، أدت إلى إضعاف المؤسسات العامة، وإلى اقتصادات تعتمد بشكل كبیر على العمالة غیر النظامیة، وعمل المرأة غیر المدفوع الأجر، وخصخصة الخدمات العامة، ما نتج عنھا تفاقم اللامساواة، مع انخفاض عدد الأشخاص الذین یستطیعون تحمل تكالیف ھذه الخدمات.
وشدد على أن التقشف نجح بالنسبة لمن يسيطرون على الثروة والسلطة، لكنه فكك أنظمة الحماية الاجتماعية، وخوصص الخدمات العامة الحيوية، وحمى الأغنياء من دفع حصتهم العادلة من الضرائب، وأبرز أن اتجاھات الضرائب الدخل الفردية شهدتً انخفاضا متزایدًا في معدلات الضرائب بالنسبة لأصحاب الدخول المرتفعة، ولكنھا ارتفعت بالنسبة لأصحاب الدخل المنخفض، ما زاد من تعمیق المستویات الإجمالیة للامساواة في المنطقة، وكان ھذا ھو الحال ً أیضا بالنسبة للشركات، إذ ّ تتصدر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا القائمة في مجال الإعفاءات الضریبیة للشركات الكبرى.
وسجل التقرير أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي ملاذ للشركات التي تتلقى تحفيزات ضريبية كبيرة، على حساب توسيع المالية العامة، فقد كانت التكلفة الإجمالیة للحوافز الضریبیة في المغرب في عام 2021 تعادل میزانیة الصحة بأكملھا لذلك العام، بينما في تونس كانت تكلفة الحوافز الضریبیة للشركات البالغة 7.75 ملیار دولار أمریكي أعلى من الإنفاق على التعلیم وبلغت ضعف میزانیة الصحة.
وخلص التقرير إلى أن النظم الضریبیة غير العادلة وغير المنصفة تؤكد على نكث صندوق النقد الدولي لوعده بدعم الضرائب العادلة، من خلال برامجه المتكررة للقروض مع بلدان المنطقة، علما أن منشوراته في مجال السیاسات ّ العامة لھذه البلدان ً كثیرا ما تدعو إلى نظم ضريبية منصفة ترصد بفاعلیة الأفراد والشركات ذات الملاءة المالیة العالیة.
وأوصى التقرير بفرض ضريبة تضامنية بنسبة 5 في المائة على الأقل لمرة واحدة على صافي ثروة 1 بالمائة من السكان، وسن ضرائب تصاعدية دائمة على الثروة، مع ضريبة دائمة بنسبة 2 في المائة على الأقل على صافي الثروة.
ودعا إلى فرض ضريبة تصاعدية على الميراث تتيح مساهمة عادلة للعقارات الكبرى في جهود تحصيل الإيرادات الحكومية، وضريبة عقارية تصاعدية تضمن المساهمة العادلة لكبار أصحاب الأراضي والعقارات في جهود حشد الموارد المالية.
وأوصى بإصلاح النظم الضريبية القائمة لضمان العدالة وإعادة توزیع الثروة والدخل، وتمویل مشاريع الرعایة العامة والحمایة الاجتماعیة الشاملةُ والتحویلیة، وإعادة توجديه الموارد لإرساء الأسس لاقتصادات منتجة وشاملة وأكثر مراعاة للبیئة، من خلال نظم مناسبة من الحوافز، من أجل إعادة ھیكلة الاقتصادات بعیدًا عن الاعتماد المفرط على السیاحة والخدمات الریعیة والمنخفضة التكلفة.
و أصدرت منظمة “أوكسفام” تقريرا خاصا بالتزامن مع اقتراب الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في مراكش، خصصت حيزا كبيرا منه لدراسة الفوارق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وركز التقرير على تفاقم اللامساواة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع دراسة حالة مصر ولبنان والمغرب والأردن في أعقاب جائحة كورونا وأزمة تكاليف المعيشة.
وأكدت المنظمة أن هناك غيابا للأنظمة الضريبية المناسبة والعادلة على امتداد المنطقة، ولا سيما الضرائب على الثروة، مما يحدّ من القدرة المالية للحكومات وإنفاقها على الخدمات العامّة، ويؤدّي إلى التمييز بين الأنواع الاجتماعية واتساع فجوة اللامساواة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وشدد التقرير على أن فرض ضرائب على أرباح أثرياء المنطقة، من شأنه أن يخلق مواردًا أساسية تفتقر إليها البلدان المختلفة حاليًا، إلى جانب سدّه للفجوة بين الأغنياء والبقية.
وأشار أن سن ضريبة الثروة بنسبة خمسة في المائة على الثروات التي تزيد عن 5 ملايين دولار في لبنان ومصر والمغرب والأردن مجتمعة، سيؤدي إلى تحقيق إيرادات بقيمة 10 مليارات دولار، كما يمكن استخدام هذا للاستثمار في الخدمات العامة والسلم والأمن ومعالجة تغير المناخ.
وسجل أن ضريبة الثروة ستسمح لمصر بمضاعفة إنفاقها على الرعاية الصحية، ومضاعفة الأردن ميزانيتها التعليمية، ولبنان لزيادة إنفاقه على كل من الرعاية الصحية والتعليم سبع مرات.
كما يمكن للمغرب وحده جمع 1.22 مليار دولار من ضريبة الثروة، في الوقت الذي يواجه فيه فاتورة إصلاح بقيمة 11.7 مليار دولار من الزلزال المدمر الأخير.
واعتبر التقرير أنه على حكومات المنطقة أن ترفض التقشف والعواقب المدمرة التي تلحق به، وأن تعمل بدلاً من ذلك على تحقيق تطلعات شعوبها، وأنه على صندوق النقد الدولي تمكين الحكومات من اتباع سياسات اقتصادية تعيد توزيع الدخل والثروة والاستثمار في المنافع العامة، مشيرا أن الوقت حان لفرض ضرائب على الثروات الطائلة والبدء في سد الفجوة الهائلة بين الفقراء والأغنياء.
ولفت التقرير إلى أنه في غیاب الضریبة على الثروة، اعتمدت الحكومات في المنطقة على التقشف ّ الضار ً بدلا من سیاسات ّ الحد من اللامساواة، وقد قدر صندوق النقد الدولي ّ أن “الفرق بین تحصیل الضرائب الفعلي والمحتمل یساوي في المتوسط حوالي 14 بالمئة من الناتج المحلي، ویشكل ذلك ثلاثة أضعاف ما أنفقته دول المنطقة على الرعایة ّ الصحیة وحدھا في عام 2020.
وأشار أن تونس ھي الدولة الوحیدة في المنطقة التي تفرض ضرائب على صافي الثروة، وإن كانت ضئیلة بنسبة 0.5 بالمئة فقط على قیمة العقارات التي تزید عن 3 ملایین دینار، في حین أن الضرائب التصاعدیة لا تزال وعدًا لم ّ یتم الوفاء بھ بعد.
وأبرز التقرير أنه مع عدم استغلال ھذا المصدر من الإیرادات الضریبیة، یقع عبء الدین العام على غالبیة أفراد المجتمع،ً وبدلا من الاستثمار في الخدمات ّ العامة التي يمكن أن تساعد في الحد من اللامساواة، تنفق أموال دافعي الضرائب على خدمة الدین العام الذي یستفید منه الأثریاء، فالضرائب غیر المتكافئة التي تقع على كاهل الطبقة المتوسطة، والضرائب المفروضة على الأشخاص الذين يكسبون الحد الأدنى من الأجور، والامتيازات الضريبية للأغنياء، تدعم جميعها اللامساواة في المنطقة، وتحبط فرص التحول الاقتصادي.
إمتيازات ضريبية تعادل ميزانية الصحة ممنوحة للشركات الكبرى
