Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

إنّنا لا نُوَلّي هذا الأمرَ مَن يَطلبه

محمد فارس
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أثناء القيلولة، يتمدّد تحت نخلةٍ ليستريح، فيأتيه عمُّه [العبّاس] وكان محبّا، باحثًا، طامعًا في أن يتولّى منصبًا، إمارةً، أو ولايةً، أو وزارةً، فكان يقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: [يا محمّد، وَلّيني إمارة]، فكان النّبيُّ الكريمُ لا يجيبه، وبعْدما تكرّرتْ طلباتُ [العبّاس]، أجابه رسول الله صلّى الله عليه وسلم قائلا: [يا عبّاس، يا عمَّ محمّد، إنّنا لا نُوَلّي هذا الأمرَ مَنْ يَطلبه.].. وفي عهد [الـمُعتَضد] العباسي، ألقيَ القبضُ على رئيس فرقة خارجة عن الدولة، وكان يُدعى [أبو الفوارس]، فسأله [الـمُعْتضد] قائلاً: [هل تزعمون أن روح الله تعالى وأرواح أنبيائه تَحلّ في أجسادكم، فتَعصمكم من الزَّلل وتوفّقكم لصالح العمل؟]؛ فقال [أبو الفوارس]: [يا هذا، إنْ حلّت روحُ الله فينا فما يَضُرك؟ وإن حلّت روحُ إبليس فينا، فما ينفعُك؟ فلا تسْأَل عما لا يعنيك، وسَل عمّا يخصُّك]؛ فقال [المعتضد]: [وماذا تقول فيما يخصّني؟]؛
أجاب [أبو الفوارس] قائلاً: [أقول إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبوكم (العباس) حيّ، فهل طالب بالخلافة، أم هل بايعه أحدُ الصّحابة على ذلك؟ ثمّ مات [أبو بكر] فاسْتَخلف [عمر] وهو يرى موْضع (العباس) ولم يوصِ له، ثمّ مات [عمرُ] وجعلها شورى في ستّة أنفُس، ولم يوصِ إليه، ولا أدْخلَه فيهم، فبماذا تستحقون أنتم الخلافة، وقدِ اتّفق الصّحابةُ على دفْع جدّكَ عنها؟]؛ فأمر به [المعتضد]، فقُتِل.. أنْفَقت الدّولة العباسية من عمرها قرنًا من الزمن، وكان ذلك القرن هو العمر الحقيقي لدولة [بني العباس] المتماسِكة، ولكن بعد وفاة [الواثق]، بدأ العصرُ العباسي الثاني، وهو عصرُ الانحطاط والفساد؛ وقد بدأ هذا العصرُ بحُكم [المتوكّل]، واتّسَم بانتقامه وتَنْكيله بوزرائه الذين ورِثَهم عن أخيه [الواثق]، وقد وصلت الدّولة العباسية من سوء الإدارة، والفساد، واستشراء الدسائس، وتولّى الأمورَ رجالٌ دون مستوى المسؤولية، فتظافر عليه الأتراكُ، وتلاقتْ مصالحُهم مع مصلحة ابنه [المنتصر] الذي قتلَ أباه [المتوكّل]، ثم بدأت بدايةُ نهاية العصر العباسي، وكان آخر الخلفاء [المسْتَعْصِم] الذي قتله [هولاكو] هو ابنُه الأوسط كما قتل ابنَه الكبير، وجماعة من الخواصّ، وبذلك وضعَ [هولاكو] قائد التتار والمغول نهايةً للدّولة العباسية..
بعد قراءة التاريخ بتدبّر وعقلانية، يتّضح بجلاء ما يُسْفر عنه الفساد والتّناحر على المسؤولية، وتكاثُر طلاّبِها واللاّهثين وراءَها وهمُ الذين لا يقدّرونها ولا يهابونها لخطورتها وجسامتها في تاريخ الأمم والدّول.. والذين يلهثون وراء المسؤولية هم زعماء الأحزاب، وشيَعهُم، وأتباعُهم، يَصِلُونها بخدعة [الديمقراطية]، وبلعبة [الانتخابات]، حتى إذا حصل ما حصل، تبرّؤُوا، وكانوا أول من يدين الفساد، وينتقد من تولّوا مسؤوليةً لا أهليةَ لهم لتحمُّلها، لأنّها مسؤولية غير مرتبطة بالمحاسبة الصّارمة والـمُساءلة الدّقيقة؛ فلو كانت هناك محاسبة، لما رأيتَهم يتهافتون عليها ويخدعون، ويَكذبون من أجْلها، ويعَرضون أمّةً لِلتّخلف، والفقر، والضياع، ثم يدّعون بأن الشّعب يصوّت عليهم، فيما الشعب منهم براء، براءةَ الذّئب من دم ابن يعقوب؛ والآن دعْنا نعْرف ماهيةَ [المسؤولية]، وأنواعها، لنعْرف هل هؤلاء الكذَبة أهْل لتحمُّلها؟
[المسؤولية] هي التّبعة، تقول: أنا بريء من مسؤولية هذا العمل.. والمسؤولُ من الرجال هو المنوطُ به عملٌ تقع عليه تبعتُه؛ ويُشترط في المسؤولية أن يكون هناك قانونٌ يأمُر بالفعل، أو بالتّرك، وأن تكون مخالفة المرء لما يأمر به القانونُ صادرة عن إرادته، وتنقسم المسؤوليةُ إلى مسؤولية مدنية، ومسؤولية جنائية، ومسؤولية أخلاقية، ومسؤولية سياسية، وهذه الأخيرة هي ما يهمّنا في هذه المقالة المتواضعة.. ويُطلق اصطلاحُ [الشعور بالمسؤولية] على إدراك الفاعل لقيمة عمله، وعزْمه على الاضطلاع به، ولهذا الشعور بالمسؤولية، جانبان، أحدُهما متعلّق بالماضي، وهو شعورُ المرء بالأخطاء التي ارتكبها في بعض مراحل حياته، وهو يتحمّلُ هذه المسؤولية؛ والآخرُ يتعلّق بالمستقبل، وهو شعورُ المرء بوجوب اضطلاعه ببعض الأعمال المنتظَرة منه، وإقدامُه على تحصيل بعض النتائج المرجُوة من تحمّله لهذه المسؤولية.. لكن في بلادنا، لا شيءَ من هذا حصل؛ فقد رأيتَ وزراءَ بدَا ضُعفُهم جليًا فعزلَهم جلالةُ الملك، لكنّهم ما زالوا يرأسون أحزابهم، وما زالوا يُسْتَجْوبون، ويُعْطون آراءهم، وقد كانت إنجازاتُهم وهم وزراء، مساوية لِلصِّفر، أو تحت الصّفر.. وهذا رئيسُ الحكومة، دلّتِ الأحداثُ على أنه أضْعف رئيس حكومة عرفه تاريخُ [المغرب]، وما زال يَطمح في ولاية ثانية ولا وجد حلاّ واحدًا لمشاكل البلاد من ديون ارتفعتْ، ومظالم فشتْ، وإضرابات توالتْ، وداء انتشر، والمؤرّخون يؤكّدون أنّ العلاقات مع العالم الخارجي، لابدّ أن تكون انعكاسًا لما عليه الوضعُ الدّاخلي، وهذا ما لمسناه عندما تولّى أناسٌ غيْر أكفاء المسؤولية في هذا البلد، ومع ذلك يصوّر لنا إعلامُهم الفشلَ والضّعفَ على أنه نجاح فيما الشارعُ يَغْلي بما يكذّب ذلكَ بأحداث ووقائعَ ملموسة..

Exit mobile version