Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الأخلاق بين ألمانيا الأمس وألمانيا اليوم

محمد فارس
كانت الفلسفة عند قدماء اليونان ترتكز على الأساطير، وعلى القَطْعِيَة دون دليل يذكر، ولكن الألمان هدَموا صُروح هذه الفلسفة القطعية، وأقاموا مكانها فلسفةً نقدية تقوم على الدليل العقلي، وكان الفيلسوف الألماني [إيمانويل كانط] هو رائدَ هذه الفلسفة حتى قيل: إذا كنتَ تريد أن تُصبح فيلسوفًا، فلابدَّ لكَ أن تمرَّ على باب (كانط)].. والذي يهمّنا في هذه المقالة، هو فلسفة الأخلاق عند (كانط)، وسارَ على مِنْواله فلاسفة ألمان.. يقول (كانط): [شيْئان يمْلآنِي إعجابًا، السماءُ المرصّعةُ بالنّجوم فوق رأسي، والقانونُ الأخلاقي في نفسي]، وهي عبارة جميلة، ومؤثّرة تتردّد على ألسنة الفلاسفة والأدباء إلى يومنا هذا.. ومعلوم أن [ألمانيا] كانت على الدوام رائدةً في الأخلاق تمامًا كما كانت رائدة في شتى العلوم، ولا أحد يستطيع إنكار ما أَثْرت به [ألمانيا] الحضارةَ البشرية في مختلف المعارف والفنون والآداب..
لكن ماذا أصاب الأمة الألمانية اليوم، حيث تجدُها في مقدّمة الأمم التي تدافع عن الشّذوذ الجنسي وعن المثْلية بشراسَة حتى لإنّها صارت تستغل التظاهُرات الرياضة للترويج للمثلية، وما نراه اليوم في كأس العالم بدولة [قطر] لخيرُ دليل على انهيار الأخلاق والقيَم في المجتمع الألماني إلى درجة أن الدولة والحكومة والمؤسّسات تساهمُ بشكل مخجِل في هذه الظاهرة المنحطّة.. ولقد رأيْنا كيف يتصَرف فريقها الوطني، وكيف تساندُه من المنصّة الرسمية وزيرة الخارجية دون اعتبار لأخلاق بلد إسلامي، ودون احترام لدينه وأخلاقِه، وهو البلد الـمُضيف لكأس العالم، وهذا التّصرف المشين لم يقُم به الألمانُ في (روسيا) سنةَ (2018) خلال كأس العالم، لأن القيصَر [بوتين] كان صارمًا وواضحًا بخصوص المثْلية..
كان الألمانُ عبر تاريخهم أشدّ حرصًا على القيم والأخلاق وأكثر حفاظًا على تماسُك الأسرة، فحتى خلال فترة حُكم النّازية، فإنّ الشّذوذ الجنسي كان محظورًا، ومُعابًا أخلاقيًا، فكان الشّواذ يُعتَبرون دون مستوى الإنسانية، فكان يُجَزُّ بهم في المعتقلات، ويُعْرفون بشارة وَرْدية حوْل أَذْرُعهم ليتميَّزوا عن باقي المعتقلين، فكانوا يعاملون بقسوة ودون رحمة من طرف حرّاس المعتقلات، إلى جانب السُّخرية بهم والحطّ من قيمتِهم باعتبارهم مجرّد خنازير لا يَنتمون إلى البشرية.. في سنة (1938)، قام شابٌّ يهوديٌّ يُدْعى [هيرْشَل كروس باند] بقتْلِ موظّف ألماني سامٍ بالسفارة الألمانية في [باريس]، فتمّ اعتقالُ القاتِل، وطالبتْ [ألمانيا] [فرنسا] بتسْليمه، وقرّر [غوبلز] إقامة محاكمة علنية للقاتل باعتبار [غوبلز] هو وزيرَ الدّعاية، ومثْل هذه الأحداث يمتطيها ويَستغلّها إلى أقصى الحدود في وسائل دعايتِه النّازية… لكنّ الـمُحامي اليهودي الذي تكفّل بالدّفاع عن القاتل، نصحَ موكّلَه بأن يُصرِّح بأنّ علاقةَ شذوذ كانت تربطه بالموظّف [ڤُونْ راتْ] المقتول للإفلات من حبل المشنقة، لكن [كروس باند] رفضَ في البداية هذا الاقتراح لأنّ هذه المسألة فاضحة وتحطُّ من قدْر الإنسان، ولكنّه قَبِل بها تحت إلحاح محاميه، لكن عندما وصل الخبرُ إلى [برلين] أُصيبَ [هتلر] بهسْتيريا، وفقَدَ صوابه لـِمَا سمعه، فأمر [غوبلز] بإلغاء المحاكمة تفاديًا للفضيحة، لكن توبعَتِ القضيةُ بطرقٍ أخرى..
أوردْنا هذه القصّة لإبراز ما كان عليه المجتمعُ الألماني بخصوص الأخلاق والقِيم، وما آلتْ إليه الأوضاعُ اليوم من تفسّخ، وانحطاط، إلى درجة جعَلت [ألمانيا] دولةً غيْر جديرة بالاحترام والتّقدير، وهي تتبنّى قضيةَ المثْلية الـمُنافية للسُّنن الإلاهية، وللقيمِ الأخلاقية، ممّا يجعلُها والحالةُ هذه، دون مستوى الإنسانية، لأنّها هوتْ إلى ما تحتَ مستوى الحَيوانية على اعتبار أنّه حتى الحيوان لا يمارِس الشّذوذَ الجنسي باستثناء الخنازير؛ والخِنْزيرُ مذكورٌ في القرآن الكريم، كما ذكرهُ الإنجيلُ حيث قال السّيد [المسيح] عليه السلام: [لا تُلْقُوا باللّآلِئ إلى الخنازير، وإلاّ استدارتْ ومزّقَتْكم]؛ وها أنتَ ترى الخنازير تمزِّقُ الأمَم بإفشاء الرّذائل في المجتمعات، وإشاعة المناكر والموبقات، وهي كلّها أفدَح، وأخطَر من الحروب، ومن الأوبئةِ، ومن الجفاف، ومَن يكرِّس الـمِثْلية، يَسير بأمّته، بل بالإنسانية جمعاء إلى الفناء، والدّمارِ، ولا أعتقد أنّ الله عزّ وجلّ قد يَسمَح بذلك في مملكته، بل سيحافظ على سُنّته، وقد رأيتَ ما صنعه بقوم [لوط] في القرآن الكريم، وما كان مصيرُ قَوم [صادوم] و[عامرة] في الإنجيل.. وهذا [ماركس] الفيلسوفُ الألماني، وإنْ كان ملحدًا، إلاّ أنّه حذّر من الشّذوذ والـمِثْليةِ، وذكر أن ذلك كان سببًا في انهيار [الإغريق] و[الرّومان]، لأنّ المثْلية فناء لا يَرحم، فهل يستفيق العالم قبْل فوات الأوان؟!

Exit mobile version