أصدق تعبير عن المثل القائل “جا يكحل ليها عماها” هو محاولة الحكومة عبر ناطقها الرسمي تبرير غلاء الأسعار الفاحش، الذي لم وصل حدودا قصوى، حيث تهربت من مسؤوليتها وألصقتها في المضاربين، الذين يحتكرون السلع وبالتالي يتسببون في رفع أسعارها، وهكذا تكون الحكومة قد تخلصت من الأسئلة المطروحة عليها.
هذه من أغرب الحكومات ليس في تاريخ المغرب ولكن في التاريخ، فكل الحكومات تتحمل مسؤوليتها في أي أمر يقع، ولا يمكن للحكومة أن تتهرب من مسؤوليتها، لكن هذه الحكومة لا تتهرب فقط من المسؤولية، بل تتهرب من أداء واجبها، في محاربة المضاربات.
ما معنى أن تقول الحكومة إنه ليس بمستطاعها محاربة المضاربين؟ من سيحاربهم إذن؟ وماذا ستعمل مع باقي الملفات؟ ومن الجهة المكلفة بذلك؟
قبيل رمضان كنا كل يوم نشاهد في نشرات الأخبار عشرات اللجن في كافة المدن المغربية بل وصلت حتى إلى الأسواق الأسبوعية، وكان الشعار المرفوع هو محاربة غلاء الاسعار، وقلنا لهم حينها إن الأمر لا يمكن محاربته بهذه الطريقة، وزعموا أنها تقوم بمحاربة الاحتكار قصد تخفيض الأثمنة مع حلول رمضان الأبرك.
ما تم القيام به مجهود كبير، لكن المجهود هنا لا يبرر المضمون كما يقول المناطقة. هذه اللجن التي خرجت كان عنوانها هو محاربة الاحتكار. وبعد كل هذه الجولات الكبيرة تعلن الحكومة أنها غير قادرة على محاربة الاحتكار.
لو تعرف الحكومة أن ما صرح به الناطق باسمها يشكل خطرا على البلاد لسكتت أو استقالت. بأي مبرر ستقول إنها فشلت في محاربة الاحتكار وقد جيشت عشرات اللجن، التي جابت كل المدن والقرى والبوادي والأسواق كما قلنا؟
إذا كانت الحكومة أخرجت مئات اللجن في كل ربوع المملكة لمحاربة المضاربات وفشلت في ذلك فهذا يوحي بنتيجة خطيرة. دائما ينبغي النظر إلى الموضوع في شموليته. الرسالة الحكومية توحي بأن أي مخالفة كيفما كانت لا يمكن محاربتها. إذا كان موضوع المضاربة غلب الحكومة رغم كل هذه الجهود فهذا يعني أنها غير قادرة على محاربة ظواهر أخرى. وهذا سيكون مدعاة لتكاثر الظواهر السلبية في المجتمع.
ولكن الواقع مختلف تماما. نحن نعيش وضعا سيئا يجتمع فيه المال والسياسة. فرئيس الحكومة هو نفسه رئيس تجمع المصالح الكبرى وهو من أغنى أغنياء المغرب. تقارير كثيرة تتحدث عن مفارقات هذا الوضع، وأن شركات مسؤولين في الحكومة مسؤولة عن الاحتكار في بعض المواد وخصوصا المحروقات. أخنوش مسؤول عن الاحتكار. المحيطون به أيضا. التصدير الفاحش للمواد الفلاحية مسؤول عن ارتفاع الأسعار.
ولا نعرف كيف تفكر الحكومة في رفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية وخصوصا غاز البيتان وإنهاء صندوق المقاصة وهي لم تعالج كثيرا من الإشكالات، التي تسببت أساسا في ارتفاع الأسعار. حكومة بدون تصميم وبناء بدون هندسة.
الأسعار المشتعلة…المضاربة والحكومة العاجزة
