من المؤلم جدا أن نرى بلادنا مُرتّبة في أرقام تتعلق بالأمن الغذائي وراء بلدان صحراوية أو شبه صحراوية. تقرير لـ”إيكونوميست إمباكت” صنف المغرب في المرتبة العاشرة عربيا والمرتبة 57 عالميا. ويقاس الأمن الغذائي بالحاجة إلى الآخر في توفير الحاجيات الضرورية للشعب، ولا يقاس بتاتا بالكماليات، التي أضحت مع “المغرب الأخضر” لأخنوش هي أساس الزراعة في المغرب.
ليس عيبا أن نقول بلد ليست فيه حقول مثل قطر يحتل الرتبة الأولى عربيا. في حين بلدان أخرى في مراتب أخرى وكان ينبغي أن تكون مكتفية من حيث الضروريات. المغرب لديه أراضٍ خصبة بآلاف الهكتارات، ولديه مناطق رطبة تمثل حوالي ربع أراضيه، ناهيك عن جريان المياه في العديد من المناطق.
كان يلزم شرعا وقانونا ودستورا وبكل مقاييس الدنيا والآخرة أن يتم استثمار هذا المعطى، المتاح من قبل الجغرافيا، في فلاحات تنتج أولا الضروري من حاجيات المغاربة. ذات مرة قال بعض أعيان الشاوية للوزير القوي إدريس البصري: لماذا لا تقوم بتحويل المنطقة إلى حقول سقوية مثل غيرها من المناطق. فقال بلهجته المعهودة: شنو بغيتو تردمو المطمورة. كان يقصد أن الفلاحات السقوية ستأتي على زراعة القمح والشعير أساس التغذية.
المغرب الأخضر، الذي تسيّد على مخزوناته عزيز أخنوش لمدة طويلة وهو الآن رئيس الحكومة يتحكم فيه من موقعه وعن طريق كاتبه العام السابق، الذي تمت ترقيته إلى رتبة وزير في الفلاحة، هذا المغرب الأخضر إذا أردنا تقييمه بمعيار “الأمن الغذائي” فقد أتى على الأخضر واليابس، فبدل الزراعات التي تؤمّن للمغرب قوته اليومي تم اللجوء إلى زراعات تتعلق بفواكه لا يمكن بتاتا المنافسة عليها لأنها تنبت في دول أخرى بشكل عشوائي.
أشجار مثمرة تنتج فواكه كثيرة تنبت في بعض دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا كما ينبت الشوك ولا تحتاج لرعاية وعناية ولا استنزاف للفرشة المائية، حيث أصبحت مدن كبرى مثل الدارالبيضاء مهددة بالعطش. فما كل هذه المغامرة وما هذا التعنت وما هذا التحدي الفارغ حتى أفقدنا المغرب روحه الحقيقية في الزراعة.
عندما يورد القرآن الكريم بعض القصص فليس من أجل تسليتنا، فلأنه كتاب موعظة فيوردها من أجل العبرة والاعتبار. في رؤيا البقرات السمان والعجاف حثهم على الادخار. وادخار ماذا؟ ادخار القمح، الذي بواسطته يتم اليوم التحكم في القرار الدولي وليس بواسطة السلاح. الدول المنتجة للقمح هي من تتحكم في القرار العالمي. القمح ضروري لكن الفواكه من الكماليات التي قد نستغني عنها وقت الحاجة. وهي اليوم مجرد مسألة لاستنزاف الفرشة المائية وإغناء وإثراء كبار الفلاحين. ودولة مثل مصر كانت مصدرة للقمح فتم تعويضه زمن الإنجليز بزراعة القطن والسكر. اليوم لا قمح ولا قطن ولا سكر.
دولة مثل فرنسا، بعد الأزمة الأوكرانية، قررت العودة إلى الزراعات الأساسية رغم أنها ما زالت من الدول المنتجة للقمح. فلماذا لا يتم اتخاذ قرار للعودة للزراعات الأساسية؟ قرار سيكون تاريخيا.
الأمن الغذائي والعودة للزراعات الأساسية؟
