Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الإستقبال الخاطئ لرمضان!

سناء البوعزاوي
لا شك أننا نلاحظ حاليا مع اقتراب شهر رمضان المعظم ، حركة سريعة و كثيفة في الأسواق و المحلات التجارية الكبرى تكتسحها نسبة عريضة من النساء خصوصا اللاتي يبحثن بكل شغف وحب على عناصر غذائية ومستلزمات المطبخ لكي يشرعن في تحضير ألذ و أشهى الحلويات والمأكولات التي ستخزن مسبقا في المبرد لكي تكون حاضرة على موائد الرحمان العائلية كل على حسب ظروفهن ، فهناك المرأة العاملة التي تقدر أنه لن يتسع لها الوقتلتهيئ كل الأطباقبعد العودة من العمل وهناك ، السيدة التي تعتبر أن هاته الخطوة هي خطوة ذكية استباقيةلتنظيمالشهر وهناك الأم التي تبتغي بهاته الخطوة إسعاد أطفالها بتحضير وصفات مختلفة و متنوعة في كل إفطار ، الشيء الذي يكون مستحيلا إنجازه في يوم واحد ، فتتناسى السيدة و الأم خصوصا أن هذا الشهر أكرمنا الله تبارك و تعالى به المسلمين ، ليس لهذا المغزى لكن لأهداف سامية أخرى كثيرة و متعددة .
بطبيعة الحال، سيكون الإنسان بعد الإمساك ، يشتهي كل ما لذ وطاب ، ولا عيب في إعطاء لكل ذي حق حقه ، لكن العيب أن يختزل شهر مليء بالعبر والرسائل لتنقية النفس وتهذيب العقل وتصفية الروح ، في شهر مليء بالولائم والتبذير الذي ليس له أساس خصوصا بين أفراد العائلة الواحدة الصغيرة، بينما يكون محبذا وله معنى حين يتعلق الأمر، باستقبال الضيوف ، و إكرامهم فهذا يعزز قيمنا و شيمنا كشعب معروف بالكرم و السخاء و حسن الضيافة… ، لكن غير هذا فكل تبذير و إسراف يصبح غير مقبول البتة ، فالإسراف لا يكون فقط في الأكل ، بل إسراف في الوقت وتبديده ، حيث يمكن أن يستغل الوقت، الضائع في إعداد الأطباق و الحلويات التي تكون بعضها مضرة للصحة و تتنافى مع هدف الصيام الذي يراد به تنقية الجسم من السموم المتراكمة طوال السنة ، في إعداد خيرة الأجيال ، نعم هذا الشهر هو أكبر فرصة لتلقين و تمرير عدة رسائل تربوية مهمة و مفيدة في مسار الأطفال و دعوة صريحة لجسم سليم، و سنخص بالذكر الأمهات في مقالنا هذا ، محاولة منا ، إنارة العقول و توجيه المجهودات المبذولة في أشياء مفيدة لفلذات الأكباد و للأسرة ككل .
كنا قد ذكرنا في أحد مقالاتنا ، دور الكسكس في التربية و ما له من أهمية واضحة في لم شمل أفراد الأسرة حوا هذا الطبق وما يمكن تمريره من أسس التربية وقت الإلتفاف حول هاته الطاولة ، فنفس الشيء ينطبق على مائدة الإفطار الرمضانية، حيث يلتحم أفراد الأسرة بعد يوم شاق في العمل أو الدراسة ، فيكتسب الأطفال آداب الأكل ، و يتعرفون أكثر على تقاليد مطبخنا المغربي ، و على النظام الجديد في هذا الشهربالخصوص ، ويستشعرون زيادة في التحام أفراد الأسرة ، حيث تلي مائدة الإفطار مباشرة بعد تنظيم المطبخ، التوجه إلى الصلاة في جماعة ، ثم الذكر ، فيلمسون تغيرا واضحا في العادات اليومية ،لكن كما هو متعارف عليه فالأطفال يشعرون بسرعة بالملل عندما يعيشون نفس الأجواء يوميا خصوصا البراعم الصغار ، فكيف يمكن تحبيب هذا الشهر الكريم و خلق أجواء ممتعة و تربوية في آن واحد لأحباء القلب، لكي يتقبلوا العبادات بحب و بأجواء إيجابية؟
حاليا في الكثير من المواقع على الأنترنيت تصطدم بعناوين كثيرة فحواها ؛ كيف تهيء الأكل قبل رمضان …، جدول 30 أكلة ل 30 يوم لشهر رمضان …، ناهيك عن قنوات اليوتوب التي يعطي أصحابها أفكار “ذكية” لحفظ المخبوزات في المبرد . فتتناسى بعض الأمهات تحضير نفسية أولادهن لهذا الشهر ،فتجدهن يبحثنكثيرا عن وسائل لتسلية الأطفال في رمضان في أثناء تحضير طعام الإفطار، خاصةً مع حرارة المطبخ وإعياء الصيام، لا تُردن مزيدًا من المهام على عاتقها، ومع إلحاح الأطفال لمشاركتهم اللعب قد تفقد الأم أعصابها، لذا من المهم أن تتحكمربة البيت في نفسها، فهم في النهاية أطفال يريدون الاستمتاع بأجواء الشهر الكريم، والمرح. فكما تضاء البيوت وقت رأس السنة و يتهافت الناس لشراء شجرة التنوب، المعروفة ب”شجرة عيد الميلاد” ، وتزيينها بالألوان و الأشكال و الهدايا ، فلا عيب أن يزين ركن البيت بهلال و فانوس رمضان و سيكون من الجميل إعداد هاته المواد و تلوينها بالمشاركة مع براعمنا الصغار وذلك باستخراج مطبوعات تحتوي على أسئلة دينية و معلومات يتفقه بها الأطفال، بعيدا عن الرسوم المتحركة التقليدية التي يتم استهلاكها طيلة السنة ، لإطفاء جو من الحماس لإستقبال شهر المغفرة بفرح و غبطة وسرور.

كما يتم تحميل مقاطع و أناشيد دينية للأطفال ، يتعلمون منها فصاحة اللغة العربية ، لغة القرآن الكريم الذي أنزل في الشهر الكريم ، فيضيفون بهذا ، إلى رصيدهم اللغوي كلمات جديدة تفيدهم في حياتهم ، و على مر الزمان . كذلك يمكن اقتناء بعض القصص المصورة التي تتوفر في المكتبات بأثمنة مناسبة جدا عن حياة الرسل وقصص من الواقع الديني بدلا من القصص الخيالية و الأبطال ذوي القوى الخارقة التي يقيمها المختصون في التربية و خبراء النفس أن لها تأثيرا سلبيا كبيرا على شخصية الأطفال ، إضافة إلى مكافأة الأطفال كل يوم عن إتقان عبادة جديدة أو حفظ سورة من القرآن الكريم ، و وضع حصالة نقود خاصة بالصدقة تفتح بعد مرور 30 يوما من رمضان لغرس قيم الإيخاء و الصدقة الطيبة ، و التذكير بمعاناة الفقراء و المحتاجين ، فيحمدون الله على النعم و يتربى عندهم الإحساس بالإمتنان للخالق .
وكما نذكر دائما ، أن التربية تتأتى بالقدوة أكثر من النصائح أو الأوامر ، فإذا كانت الأم تتحلى بنفسية مرتاحة و تتزين ، وتزين بيتها لإستقبال رمضان ، وتدرب أطفالها وتشجعهم على الصيام بالتدرج و برفق و لين ،سيؤثرهذا ، لا محالة على نفسيتهم و تصرفاتهم خلال هذا الشهر ، و لكي نعطي للمطبخ حقه ، فيجدر الذكر أن الأطفال تتقوى شخصيتهم عندما تحسهم بالمسؤولية كأن تفوض لهم تحضير العصير ، أو أي مهمة بسيطة مناسبة لعمرهم ، فإحساسهم بالمشاركة في إعداد المائدة تعطي نكهة خاصة و ثقة في النفس و حلاوة للعائلة وستظل هاته الذكريات الطيبة عالقة في أذهانهم للأبد.

و ختامًا ، سنوجه رسالة حب لكل الأمهات المغربيات ، دعي أطفالك يستمتعون بأجواء رمضان وشاركيهم اللعب كلما تمكنتِ من ذلك، جربي بعض الأنشطة التي ذكرناها لكِ لتسلية الأطفال في رمضان، واعلمي أن رمضان مثل بقية الشهور لا يحتاج لإعداد مئات الأصناف من الأطعمة بدلًا من ذلك، اغتنميه ووفري الوقت للاجتماع مع أطفالك، فما أفسدته شهور السنة في أرواحنا المثقلة ، تصلحه أيام رمضان !

Exit mobile version