Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

البحث العلمي يتطلّب مختبرات وعلماء ونحن لنا مقرّات أحزاب ودهماء

AFP_GQ9YZ

محمد فارس
أثار انتباهي خبرٌ هامّ نُشِر بتاريخ [الأربعاء 30 يونيو 2021] مفادُه أن مجلس الحكومة المنعقِد بتاريخ [24 يونيو 2021] صادق على مشروع مرسوم رقم [2-20-468] بإحداث [مجلس وطني للبحث العلمي] تناط به مهمّة تتبّع الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتقني والابتكار، يتولّى رئاستَه رئيس الحكومة، وهذا يعني أنه تمّ خلقُ جيبٍ آخر للمكاسب إذ لا بدّ من أن يخصص لهذا المجلس ميزانية ضخمة من خزينة الدّولة ومن أموال الأمة، وستنفُذ إليه كائناتٌ باحثةٌ عن الغنائم والثّراء بدعوى البحث العلمي فيما هي، لا هي بعلماء، ولا بخبراء في هذا الميدان، ورئيسُه سيكون رئيس الحكومة الذي لا هو بعالم، ولا هو بمفكّر، ولا هو بمخطّط أصلاً، فماذا يكونه هذا المجلس الوطني للبحث العلمي غيْر وسيلة أخرى للاغتناء بدعوى العِلم والابتكار، ومرتادوه لا هُم بعلماء، ولا هُم بخبراء، ولا هم بمفكرين، ولا صلةَ لهم بالعِلم أصلاً، وعلى رأسهم رئيسُ الحكومة الذي سيوقّع على ميزانيته الضّخمة كما وقّع منذ أيام على [36] مليارًا لدعْم الحملة الانتخابية لأحزاب فاشلة صار يَمقتُها الشعبُ، ويكره سماع أكاذيبها، ويشقّ عليه التصويتُ على برامجها ووعودها الكاذبة..
عندما وصل الرئيسُ [كينيدي] إلى سدّة الحكم في [الولايات المتحدة الأمريكية]، كانت البلادُ تعاني من تخلّف ومن إخفاقات في مجال [غزو الفضاء] بالقياس إلى [الاتّحاد السّوڤياتي]، وقال [كينيدي] في خطاب له: [سنصلُ إلى القمر في ظرف (09) سنوات]، ولم يكُن الرئيس يكذبُ أو يُهدِّئ من روْع شعبه، بل كان صادقًا في قوله، وجادّا في وعْدِه، فاستدعى العالم الألماني النازي سابقًا الذي صنع لـ[هتلر] صاروخ [ڤ: 02]، وكان قد تجنّس بالجنسية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وطلبَ منه الرئيسُ الأمريكي أن يُشرف على مشروع البحث العلمي في ميدان غزو الفضاء، فجمعَ العالمُ الألماني الأمريكي [ڤيرْنَر ڤُون براوْن] حوله علماء، وخبراء، ومهندسين أكفاء، وطلاب جامعة متفوّقين، وأنشأ هو صاروخ [سَاتورن: 05] القويّ الذي حمل المرْكبة إلى سطح القمر سنة [1969] وما زال هذا الصاروخُ في الخدمة إلى يومنا هذا.. الرئيسُ الأمريكي كَسِياسي حدّد الهدف، وتركَ التّنفيذ للعُلماء والخبراء، وجعل على رأسهم عالـمًا كبيرا، اختار هو كذلك مَن هُم علماء ومهندسون، ولم يكُن في اختياراته لا مُجاملة، ولا حزبية، ولا قرابة عائلية، بل كان العِلمُ والكفاءةُ هما ضالّتيْه، فكان أسلوبُه خاليًا من العواطف، منزَّهًا من أيّ انتماء غيْر الكفاءة، والانتماء للوطن، ولا شيء غيْر ذلك..
يجب أن يَعرف المشتغلون بالسياسة من أحزاب، ونواب، ووزراء، إن كانت لهم مبادئ أصلاً، يجب أن يَعرفوا أن تحقيق الأهداف هي أمورٌ ينبغي أن تكون متروكة للخبراء والعلماء؛ إن العلمَ يَزحَف بوسائله زحْفًا سريعًا على جوانب الحياة التي كانت متروكة من قبلُ وما زالت متروكة في الدّول المتخلّفة لـ[الرّأي]؛ نعم، أينما تصحّ السيادةُ للعلم وما يقرّره، لا يكون من حقّ أحدٍ أن يجعله نهبًا للمناقشة واختلاف الآراء، فإذا كان العلمُ قد خطا خطواته في حلّ كثير من مُشكلات البرد، والظلام، والجوع، والأوبئة، والمسافات، فكيف لا نستمع إلى قراراته التي يقضي بها في كل علاقة اجتماعية، من تربية إلى سياسة واقتصاد؟ لماذا نتركُ هذه الجوانب الحيوية الخطيرة رهينة [آراء] تدورُ بها موائدُ اللّجان في الحكومة، والبرلمان، ثم يكون الحكمُ الحاسمُ فيها لعدد الأصوات؟ هل تُؤخذُ الأصواتُ بعد مناقشات حول معادلات رياضية وتفاعلات كيماوية؟ هل تُؤْخذ الأصواتُ بعد مناقشات في الطّرق التي يتمّ بها تطهير السائل، والتّطعيم ضد الأوبئة؟ إنّما تكون الأصواتُ ضرورةً ديمقراطية عند تحديد الرّغبات، وتعيين الأهداف، أما كيف تتحقّق الرّغبة والوصول إلى الهدف، فأمرُ ذلك للباحثين والعلماء إنْ كان في البلد باحثون وعلماء حقيقيون حقّا وصدقًا..
ها هُنا يكْمُن مفتاحُ الرؤية الواضحة، وأعني به التّفرقة بين [الرغبة العامة] من جهة، و[سلطة العلم] في تحقيق تلك الرّغبة من جهة أخرى.. قد تكون الأحزاب السياسية مختلفة في [رَغباتها]، في مبادئها إن كانت لها مبادئ، لكنّها مُحال أن تختلف على أن يكون للعِلم سُلطة التنفيذ اللهمّ إذا كانت أحزابًا متخلّفة؛ فإذا ما وجدْنا هذا الجانب التنفيذي موضع نقاش ورأي، أدركْنا أنّ الميزان قد اختلّت كفّتاه، لكن في بلادنا يقلّ العُلماء، وينعدِم وجودُ الخبراء، لكن تتكاثَر الأحزاب، ويتضاعف عددُ وزراء الحكومات، وكلّهم يلتمسون الأشياء بغير أسبابها الطبيعية؛ فالبحث العلمي يتطلّبُ علماء، ومختبرات، ومراكز بحث، ونحن تكثُر عندنا مقَرات الأحزاب، ويتزايدُ عددُ الدّهماء، وينعدم العلماء، وتكثُر الأمّية، والبطالة، وتسوء أحوالُ الجامعات فعن أيّ بحثٍ علمي يتحدّثون؟!

Exit mobile version