مفارقة غريبة يعيشها المشهد السياسي هذه الأيام. لقد أصدرت المحكمة الدستورية، أعلى هيئة للنظر في دستورية القوانين المصادق عليها من قبل البرلمان، موقفها من قضية “القاسم الانتخابي”، وانتصرت لدستورية القوانين التنظيمية، التي صادق عليها مجلسا النواب والمستشارين، معتبرة أنها لم تخالف الدستور، الذي ينص على أن البرلمان يصدر قوانين تنظيمية وفق الشروط المعروفة.
بعد إصدار هذا القرار تحرك حزب العدالة والتنمية في اتجاه تسفيه حكم المحكمة الدستورية، وقالت الأمانة العامة: هو اختيار غير ديمقراطي ويتعارض مع كل القواعد التي أسست للاختيار الديمقراطي باعتباره أحد الثوابت الدستورية الجامعة..القاسم الانتخابي على أساس قاعدة المقيدين يمس بمصداقية المؤسسات المنتخبة ويجعلها غير قادرة على التعبير الحقيقي عن الإرادة العامة للأمة والتي يفرزها التصويت الحر والنزيه والمعبر عنه من خلال المشاركة في عملية الاقتراع.. هذا ما جاء في البلاغ الرسمي للأمانة العامة للحزب. وقال قادة من الحزب في تصريحات وثّقها موقع الحزب الرسمي: إن القاسم الانتخابي تزوير بشكل قانوني.
القانون تقدمت به الحكومة، والحكومة يرأسها حزب العدالة والتنمية، وهو الذي يقود الأغلبية، وحزب العدالة والتنمية، وصوّت عليه البرلمان، والحزب يتوفر على ربع مجلس النواب، والحزب هو الذي اعترض على القانون في المحكمة الدستورية، والمحكمة الدستورية انتصرت للقانون.
لا شيء محسوما مع حزب العدالة والتنمية، ويمكن أن ينقلب بـ180 درجة في أي وقت، ولا يرضة بأي طريقة للاحتكام، فالمنطق يفرض أن المصادقة على القانون، الذي أقر القاسم الانتخابي، تمت بواسطة التصويت وهو آلية ديمقراطية، بل هي آخر آلية لفض الاشتباك بين المتنافسين، عندما تستحيل أساليب التوافق، وهو ما وقع فعلا، فقد كانت الأحزاب تسعى إلى توافق غير أن حزب العدالة والتنمية رفض التوافق.
لسنا ضد أو مع موقف العدالة والتنمية، لكن ينبغي التأكيد على أنه رفض التوافق والتجأ الجميع إلى التصويت الذي لم يكن لصالحه، واعتبر التصويت “مغشوشا” لأن الأحزاب الأخرى تواطأت ضده. لكن بهذه الآلية تمت المصادقة على رفع سن التقاعد على عهد عبد الإله بنكيران، وتوافقت أحزاب الأغلبية حينها، ولم نسمع أحزاب المعارضة تقول إن هذا التوافق “مغشوش” لأنه تم التصويت عليه بطريقة ديمقراطية.
شعر حزب العدالة والتنمية بأن القرار ضده، وهذا من حقه، فلجأ إلى المحكمة الدستورية، التي قالت قولا فصلا إنه دستوري.
لكن الحزب لم يسكت فاستمر في ممارسة التضليل. لأنه لا يمكن أن تقع أمور أخرى بعد كلمة القضاء. وإذا لم تعد الأحزاب تقبل الاحتكام إليه فماذا تريد؟ ماذا بعد القضاء؟
القضاء سلطة مستقلة وقراراتها نافذة وهي آلية تحكيم بين المتخاصمين، وطريقة رفض حزب العدالة والتنمية لقرار المحكمة الدستورية، دليل على أنه حزب غير ديمقراطي ولا يقبل بقواعدها وهي بالنسبة إليه آلية للتمكين وكلما كانت نتائجها لغير صالحه اتهم الجميع بأنهم ضد الديمقراطية.