Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

التبرع بالدم بين ” البُخل” والسخاء..

محمد عفري
وقَع إجماع المغاربة منذ سنين أن يكون الخامس من دجنبر من كل سنة يوما وطنيا للمتبرعين بالدم . تتعزز الذكرى بوضع برامج تحسيسية جادة. الهدف منها النفوذ السلس إلى القلوب الرحيمة لمختلف المواطنين لتحفيزهم إلى التبرع وتشجيعهم عليه. يتم بعث الوعي بقيّم هذا التبرع وصقل الإيمان بأهمية الدم كمادة ضرورية لإنقاذ حيوات بني جلدتنا.
سنوات وعقود مرت، أعياد وطنية للمتبرعين بالدم بأعداد معددة توالت ، مئات برامج التحسيس تعاقبت وظل الخصاص الكبير في المخزون الوطني للدم هو العنوان البارز. نفس النداءات تتكرر ونفس اللازمة تعيد نفسها ، المستشفيات في كل ربوع المملكة ومراكز تحاقن الدم في الدار البيضاء وغيرها من المدن تعاني من ضعف المخزون ، تدق ناقوس الخطر المحدق. خِـلْنـَا أن المغاربة الأشهر من علم في السخاء والجود والكرم والتضامن و التعاضد أضحوا أشد بخلا من “بُخلاء” الأديب العربي الكبير،الجاحظ ، والحال أنه هناك تغيرا في المفاهيم وتقلصا في الأحاسيس وارتفاعا في منسوب الذكاء في التعامل مع الواقع. المغاربة أضحوا باختصار أشد منطقا، أشد حسابا عند كل قضاء وقدركما يبين ذلك الواقع..
لا أحد من المغاربة يشكك في أن المخزون الوطني من الدم يُعاني من الخصاص الكبير كما لا أحد منهم يجادل في أن هناك إحجاما كبيرا على عمليات التبرع بالدم، لكن لا أسرة من الأسر المغربية اشتد حال المرض على واحد من أفرادها أو تعرض لحادثة سير فوقفت تندب حظها بين موت قريبها هذا أو حياته بالحاجة إلى قطرات من الدم لا تنعم بها إلا وكان لغة المال باهظة ومكلفة من المعاناة النفسية أكثر من المعاناة المادية .
إذا كان ارتفاع الطلب على الدم يفسره الارتفاع المهول في أعداد المرضى والمصابين بالقصور الكِلوي وغيرهم من المرضى بالامراض المزمنة والمصابين في حوادث السير والحوادث العرضية التي تدخل في لعنة “القضاء والقدر”، فإن الاستجابة لحملات التحسيس والتوعية بالتبرع بهذه المادة الحيوية الضرورية لإنقاذ حياة الكثيرين، ظلت ضئيلة، وكتحصيل حاصل لذلك ظل المخزون يعاني من الضعف. سَبـرُ عابر في أغوار واقع حال الدم المغربي ومخزونه بالمستشفيات ومراكز التحاقن يكشف أن غالبية التبرعات يكون السخاء والأريحية فيها من طرف الطبقات الهشة من المواطنين، في الوقت الذي لا وجود للفظ التبرع في قاموس الميسورين، فبالأحرى أن يكون تبرعا بالدم.أما الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني التي تدعي المواطنة المستفيدة من صفة ” ذات المنفعة العامة” ومن الدعم المتنوع من المال العام الذي يخرج من ” ظهر” الملتزمين بدفع الضرائب، فتستصغر في الوطن والمواطنين القيام بحملات تحسيسية بمفهوم التبرع بل تستصغر فينا حملات للتبرع بالدم، يكون فيها قادتها ورؤساؤها وأعضاء مكاتبها المُسيرة على رأس المتبرّعين ..
المركز الوطني لتحاقن الدم أكد على أنه إلى حدود اليوم تبلغ الحاجيات اليومية من الدم على الصعيد الوطني ما بين 900 و 1000 تبرع ، بعملية حسابية بسيطة لمجموع الأحزاب الوطنية وجمعيات المجتمع المدني التي يقاس أعضاؤها والمنتسبين إليها والعاطفين والمتعاطفين بالجيوش الجرارة نتصور إلى أي حجم سيلبغ عدد التبرعات اليومية وأي مستوى سيصبح عليه المخزون الوطني، لو تطوع منتسبان إلى ثلاثة منتسبين من هذه “المنظمات” إلى التبرع بالدم على أساس يومي.

Exit mobile version