محسن الفيلالي *
إن ما يحدث بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية هو أمر جيوستراتيجي بحت.فقضية إلغاء صفقة الغواصات الأسترالية مع فرنسا توضح ذلك بجلاء.
فاصطفاف بريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إبرام تحالف ثلاثي مع أميركا وأستراليا سيؤدي إلى تأزم الخلاف بين الإتحادالأوروبي وأميركا ورسم تحالفات جديدة، هدفها مواجهةجمهورية الصين الشعبية التي تمتلك 1170مليار دولار من ديون الولايات المتحدة، التي لا تزال،إلى اليوم، وفي ظل الحرب التجارية القائمة بينهما، تعتمد على هذه الديون في تمويل إصلاحاتها الرئيسية رغم العجز في ميزانيتها.
لم تعد الولايات المتحدة تهتم بالشأن الفلسطيني،ولا بالتفاعلات بين إسرائيل والدول العربية، إن ما يقلقها هو تنامي القوة العسكرية للصين في غرب المحيط الهادئ من جهة، ومن جهة أخرى سيطرة الصين الخانقة على اقتصاد الولايات المتحدة وأيضًا على عملتها، فقد بدأ ترامب حربًا تجارية وتكنولوجية ضد الصين وسيقوم الرئيس الحالي جو بايدن بالمزيد.
لذا فإن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية في السنوات الخمس القادمة هي ضرورة التحرك سريعا لبسط نفوذها في منطقتي المحيط الهندي والمحيط الهادي لتواجد فاعل وسريع يقف أمام النفوذ والتمدد الصيني في المنطقة.كما ستقوم بالتركيز بدرجة أكبر على تقاسم الأعباء مع حلفائها وشركائها في المنطقة وخصوصا دول الخليج.
لا بد من الإشارة إلى أن تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين له عواقب كبيرة على النظام الدولي، إنه يثير مشاكل ليس فقط للقوى الغربية ، ولكن أيضًا للدول الأخرى التي تقع ضمن مناطق نفوذها، وهذا يشمل دول الخليج أيضا، التي أصبحت عالقة بشكل متزايد في المنافسة بين القوتين العظميين، فعلاقة مجلس التعاون لدول الخليج راسخة تاريخياً في مجال النفوذ الأمريكي، غير أن العلاقة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي والصين قد شهدت انطلاقة كبيرة خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين كما تشهد اتجاها تصاعديا متسارعا خلال القرن الحادي والعشرين، مستفيدة من موقعها الجيوستراتيجي ، وقوتها المالية ومواردها الهيدروكربونية.
رغم كل هذا، تؤكد معظم التقارير والخبراء في العالم إحجام القوتين عن مواجهة بعضهما البعض عسكريا، لأن اقتصادهما شديد الترابط، والصين منخرطة بشكل كبير في الطرق التجارية العالمية.
على المغرب أن يستفيد من هذا الوضع عن طريق مراجعة وتعزيز سياسته مع دول الخليج، التي ستكَوِّنُ مع أستراليا القواعد الخلفية للولايات المتحدة ضد إيران والصين.
فالمربع الحقيقي الذي يجب أن نركز عليه في السنوات القادمة هو الولايات المتحدة الأمريكية – بريطانيا – دول الخليج – إسرائيل
ولأجل إنجاح علاقاتنا مع دول الخليج، يتعين اختيار شخصية موهوبة تتمتع بالحنكة والكفاءة والإخلاص، لها ثقافة عالية وقادرة على استحضار الروابط التاريخية مع البلدان العربية الشقيقة، وخاصة بلدان الخليج وبلدان الجوار، بدقة متناهية، وتستطيع تذويب بعض الخلافات بوسائل وطرق تواصلية عصرية ومستدامة، مع التفكير كذلك في اختيار شخصيات يمكنها إضفاء الثقافة الأنجلوسكسونية على نظامنا التعليمي،الاجتماعي والصحي. نحن بحاجة إلى إقناعالولايات المتحدة وبريطانيا لتشجيع المزيد من المستثمرين البريطانيين والأمريكيين على القدوم والاستثمار في المغرب وخاصة في الأقاليم الجنوبية.
* باحث في علوم الاقتصاد والتدبير