Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

التعليم وأرقامه في صورة..

محمد عفري
مجرد صورة تداولتها، مؤخرا، مواقعُ التواصل الاجتماعي، يظهر فيها تلاميذ صغار في وضعية مقززة، مكدَّسين على شكل أمتعة فوق سطح سيارة خفيفة، تقلهم من منازلهم إلى المدرسة في ناحية من نواحي المغرب العميق (قيادة تاندرارا ــ إقليم بوعرفة)، كانت كافية لاختزال حال التعليم المغربي وجودته على الرغم من الجهود المبذولة والأموال الطائلة من أجل إصلاحه، خصوصا خلال العقدين الأخيرين، لكن من دون جدوى.
الصورة ذاتها، وإن كانت حرّكت الراكد من مياه بحيرة التعليم، إذ تضرب في العمق كل المجهودات الجبارة التي تقوم بها الدولة من أجل تمكين الأطفال من حقهم في التربية والتعليم، ووفق الشروط التي أشّر عليها دستور المملكة في الفقرة الثالثة من الفصل 31 الذي ينص على توفير تعليم عصري وذي جودة عالية، فإنها تفضح فشل السياسات والبرامج التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة من أجل التعليم الذي أصبح قطاعا “غير متحكم فيه” خارج محور القنيطرة ــ مراكش عبر الدار البيضاء والجديدة، لأن عدا هذا المحور من بقية خارطة المغرب، فيبقى الله في عون التلاميذ وآبائهم وأوليائهم وأساتذتهم. الصورة تفضح أيضا فشل الأحزاب الوطنية التي تدّعي المواطنة الصادقة ومعها جمعيات المنفعة العامة من المجتمع المدني في خلو أجنداتها من الاهتمام بقطاع التعليم، بعدما كان من أهم اهتماماتها (خصوصا الأحزاب) في إطار الحركة الوطنية وعماد برامجها، واستمر عماد حملاتها الانتخابية إلى حدود اليوم.
لم تترك الصورة فرصة صغيرة تضيع، دون أن تؤكد ما تناولته وتتناوله الأرقام الرسمية المحلية والدولية حول تدني جودة التعليم بالمغرب. فالمجلس الأعلى للحسابات وضع مؤخرا نقاطَ هذا التدني على حروف وضعية التعليم المزرية، ليؤكد أن حصيلة التمدرس بالعالم القروي، رغم التحسن النسبي الذي سجلته تبقى دون الطموحات في العديد من المستويات. لم تتوقف مؤشرات التدني هنا عند النقل المدرسي الذي يشكل وصمة عار في المناطق النائية بالمغرب العميق (غير النافع)، وإنما تتعداه إلى انعدام الماء والكهرباء والمرافق الصحية في هذه المدارس. يكفي هنا أن نذكر بأن أرقام المجلس سجلت ما يزيد عن 5 آلاف مؤسسة تعليمية لا تتوفر على مراحيض وغير مرتبطة بشبكة الماء والكهرباء.
أرقام المجلس الأعلى للحسابات حول واقع التمدرس بالمغرب برسم سنتي 2019 و2020، تعدت حصيلة المراحيض والماء والكهرباء التي يندى الجبين لذكرها، لتؤكد أن مستوى التعليم بالعالم القروي يظل دون مستوى التطلعات، إذ إن المساواة بين الجنسين في التمدرس بالسلك الابتدائي بالعالم القروي لا يتم “احترامها” بسلك الإعدادي والثانوي، وأن الانقطاع عن الدراسة بالعالم القروي (الهدر)، استمر مرتفعا، في الإعدادي بالخصوص، وبنسبة عالية بلغت 12.2% خلال الموسم الدراسي لسنة 2019/2020.
أما على مستوى الدعم الاجتماعي، فإن النقص في عرض السكن المدرسي، وخاصة لفائدة الفتيات، يفرض نفسه بقوة، إضافة إلى عدم تعميم المطاعم المدرسية على جميع المؤسسات التعليمية، والأكثر من ذلك أن برنامج “تيسير” الموضوع لفائدة الدعم الطلابي، يعاني من بعض النقائص في الاستهداف، ناهيك عن عدم اكتمال اللوازم الدراسية الموزعة ونقص جودتها..
المؤشر الدولي لجودة التعليم، الصادر عن المنتدى العالمي في دافوس، بدوره، يؤكد ما تختزله صورة التلاميذ المتكدسين فوق سطح سيارة، حين يؤكد احتلال المغرب للرتبة الواحدة بعد المائة (101) عالميا والرتبة الثالثة عشرة عربيا. وللقارئ والمتتبع أن يتجرع مرارة الوقت الطويل المهدور، وبرامج الإصلاحات الكبرى وعدد “المؤسسات” العتيدة التي تعاقبت من أجل إصلاح التعليم الوطني دون أن يكون هناك إصلاح، بل له أن يعد عدّا الميزانيات المالية الضخمة التي تم ضخها لهذا الإصلاح دون أن يتم، ليستمر التعليم المغربي متدنيا، متخلفا وراء دول عربية بعينها تغرق في الصراعات والفوارق من قبيل اليمن ولبنان والبحرين وغيرها.
على مستوى الاستيعاب والتحصيل، دراسة رسمية صادرة مؤخرا عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين، بدورها، أظهرت الضعف الكبير في مستوى استيعاب التلاميذ في المغرب لدروس اللغات والرياضيات على الخصوص، مما يشكل تهديدا جديا لتطور منظومة التعليم في المملكة، وفق خبراء المجلس الذين أكدوا أيضا أن 9% فقط من تلامذة المستوى الإعدادي بالتعليم العمومي يستوعبون مجمل اللغتين والرياضيات، مقابل مستويات أفضل نسبيا لتلامذة التعليم الخصوصي.
التدني في الاستيعاب ظهر أيضا لدى تلامذة المرحلة الابتدائية في التعليم العمومي في اللغة العربية بـ(42%) والفرنسية بـ(27%) والرياضيات بـ(24%)، علما أن هذه المعدلات أكثر تدنيا في القرى مقارنة بالمدن، والبقية من التدني لا يسع المجال لذكره..
فالصورة نطقت والأرقام أكدت وماهي الحلول؟؟

Exit mobile version