يخلد المغرب ذكرى ثورة الملك والشعب وذكرى عيد الشباب. التخليد ليس احتفالا فقط وتعطيلا للعمل، ولكنه ممارسة ثقافية ترسخ لدى الأجيال الجديدة تضحيات الأجداد. فهذا الشباب المتوثب نحو المستقبل الذي لا تحده حدود في تطلعاته لم يكن ليفعل ذلك لولا أن وُجد ذات زمان مواطنون مغاربة تحملوا الصعاب، وتجشموا عناء الدفاع عن تراب الوطن، في مقاومة نادرة اجتمع فيها جلالة الملك المغفور له محمد الخامس بالحركة الوطنية من أجل صناعة ملحمة الوحدة والتحرير.
لقد شكلت ثورة الملك والشعب منعطفا حاسما في تاريخ المغرب، فهي التي مهّدت الطريق لليوم الأول بعد طرد الاستعمار، فكثير من البلدان عاشت هذا الجرح والصراع حول السلطة، بينما كان المغرب واضحا منذ البداية، أن هناك تناغمًا كبيرًا بين مقاومة العرش ومقاومة الشعب، هي التي شكلت ثورة الملك والشعب.
وهذا النهج ثابت وراسخ في السياسة المغربية، فعندما اندلعت ثورات الفوضى في العالم العربي، تحت مسمى “الربيع العربي”، كانت للمغرب معالجته الخاصة، وهي منبثقة من مبدإ ثورة الملك والشعب، أي إن التغيير لا يكون إلا بواسطة هذه الثورة التي تجمع الملك بالشعب، وكانت سرعة الاستجابة لمطالب الشباب، المتطلع للمستقبل، هي نفسها سرعة الاستجابة لنداء الوطنيين المغاربة، حيث رفض محمد الخامس إجراءات الحماية الفرنسية وأعلن أنه الوطني رقم واحد في البلاد.
ليس سهلا أن يغامر ملك بكل شيء بما في ذلك عرشه من أجل شعبه ووطنه، ومن هنا استمدت ثورة الملك والشعب قوتها الخالدة، التي تحولت إلى منهج سلوك وحياة.
عاد الملك محمد الخامس مظفرا إلى عرشه لكن عاد بشعار “عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، وهو الذي يواصله حفيده من خلال المشاريع الكبرى وتعزيز البنيات التحتية، ومن خلال التركيز على احتلال موقع في العالم يوازي تطورنا، أي الموقع الذي نستحقه، وهذا ما صنعه جلالته من خلال الخطوات الدبلوماسية في إفريقيا والعالم، التي جعلت من المغرب رقما مهما في وضع الخرائط الجيوبوليتيكية.
لقد جعل جلالة الملك من المغرب بلدا قادرا على التحدي وعلى مواجهة المستجدات، بالروح التي رسمها دستور 2011، باعتباره استجابة ملكية وإصغاء ملك لشباب البلد، مفوتا الفرصة على شيوخ السياسة، لأن جلالته يعرف أن حاجيات الشباب أكبر من أن يستوعبها من تقادم بهم العهد في الممارسة السياسية، وجعلوا منها سجلا تجاريا، بينما جلالة الملك له الحس الكبير بأن البلاد لا تبنى إلا بشبابها المتوثب والعازم على تحقيق كل الطموحات.
لقد تجسد في دستور 2011 ثورة الملك والشعب الثالثة، فإذا كانت الأولى جاءت بالحرية والاستقلال، والثانية قادها الملك الراحل الحسن الثاني لاستكمال الوحدة والتحرير، والتي أطلق عليها المسيرة الخضراء، فإن الثالثة هي التي قادها جلالة الملك وجعل ربيع المغرب مختلفا ومزهرا مفتوحا على الآفاق البناءة والإيجابية.
الثورة المتجددة والشباب المتوثب
