Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الجامعة والمناعة الفكرية للدولة

الجامعة اختزال لتطور الفكر في المجتمع لأنها حاضنة لنمو الأفكار وازدهارها، وداخلها تتبلور الرؤى والنظريات العلمية والفرضيات، ومنها تخرج الإبداعات الأدبية والفكرية والعلمية والصناعية..نعم تحتاج الجامعة المغربية إلى قانون إطار وتحتاج إلى تنزيله..ولسنا بصدد نقد حركة الوزيرين امزازي وأوعويشة في الجامعة حاليا، حيث تم تقديم مشاريع تنزيل القانون الإطار 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي للفترة 2021-2023 من طرف جامعتي محمد الخامس بالرباط وابن طفيل بالقنيطرة. ولكن بصدد التأسيس لرؤية طويلة الأمد لمفهوم الجامعة.

نعيش اليوم خارج أي مفهوم للجامعة بمعنى أن من يدبرون أمر هذه المؤسسات اليوم لا يفكرون سوى في إدارة “اليومي” بينما الجامعة ليست لهذا الأمر وما لهذا تم خلقها، ولكن الجامعة للبحث العملي والتفكير الاستراتيجي وهي العاصمة للمجتمع من الزيغ وهي المؤسسة للمناعة الفكرية للدولة، بما أن المؤسسات هي خلاصة تنفيذ وتنزيل أفكار على أرض الواقع.

المفروض أن تكون الجامعة هي الحاضنة للفكر والمفكرين والمبدعين في كافة المجالات، من الأدب إلى المسرح مرورا بالرياضيات والفيزياء والكيمياء والصناعات، لكن هذا الاحتضان لن يكون في ظل تنكر الجامعة لأبنائها، حتى أصبحنا نعيش وسط مؤسسات بلا روح وبلا تاريخ، وكأنها بنايات مشيدة اليوم لتحتضن طلابا بلا امتداد.

جامعة لا تعرف أبناءها وبناتها من الرعيل الأول، حيث تجهل وتتنكر لروادها وتتنكر لمبدعيها والجيل الذي حمل مشعل تأسيسها، جامعة لا تلتفت لترات غني أنتجه مفكرون فلاسفة تجد لهم صدى في بلدان أخرى، حيث لا يتم تكريم أو الاحتفال أو دراسة فكر محمد عزيز الحبابي، الذي تهتم به الجامعة اللبنانية بشكل كبير، ولم تلتفت لباحث ألمعي في “تمغرابيت”، أي محمد بنشريفة، الذي مرت وفاته في صمت.

يحدث هذا في المجالات التي تدخل في مجال النشر العربي، فما بالك بالمجالات التي يكاد يكون فيها النشر منعدما مثل الرياضيات والفيزياء وغيرها، ألم يكن لنا علماء في هذه الأصناف المعرفية ومروا مرور الكرام ولم يتم تكريمهم ولا الاحتفاء بهم، فكيف تريد من الجيل الصاعد أن يتخذ نموذجا هو غير معترف به أصلا.

الجامعة ليست فقط مكانا للترقي الاجتماعي، ولكنها في الوقت ذاته مجالا للترقي والرقي المعرفيين، حيث يدخلها التلميذ ليصبح طالبا، ومن يكمل دراسته يصبح باحثا وأستاذا مساعدا تم أستاذا باحثا فدكتورا فكاتبا وفيلسوفا وخبيرا، إلى أن يصل درجة المشيخة في مجاله، المشيخة التي لا تعني الطاعة ولكن تعني المواصلة التاريخية للبحث العلمي والاجتهاد المعرفي والجهاد الفكري، ولهذا تم توزيع راتب الأستاذ الجامعي إلى راتب أصلي وتعويضات عن البحث العلمي، الذي يكاد يكون منعدما.

الجامعة ينبغي أن تستفيد من حلقات الدرس التقليدي، بالاجتماع حول شيوخ العلم في كافة المجالات قصد المواصلة والإبداع، كما كان الشأن في القرويين، لكن ليس بالمعنى الحلقي الضيق، وهنا لابد من التأكيد على ضرورة أن تأخذ الجامعة مسافة مع السياسي، لا بالمعنى الميكانيكي، الذي يسعى إلى حرمان المواطن من حقه في ممارسة السياسة، ولكن عدم خضوعها لرؤية السياسي الحزبية والانتخابية، وقد يكون إبعاد التعيين في الجامعات عن اقتسام الكعكة بين الأحزاب في المجلس الحكومي مدخل مهم في هذا الشأن.

كلما أراد السياسي الهيمنة على الباحث انتهى السياسي والباحث، لهذا نرى أن الحاكم في المغرب ظل يسعى لاستقطاب المثقف لكن دون الهيمنة عليه، ووقع هذا حتى في غير الدولة العلوية، حيث لا يخفى أن يعقوب المنصور هو الذي طلب من بن رشد تلخيص كتب أرسطو، فتعمق في الأمر كثيرا حتى أصبح فيلسوفا، ولهذا الغرض أسس جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني أكاديمية المملكة المغربية، التي لم يتدخل في إنتاجها المعرفي في يوم من الأيام، وتركها كمركز لإنتاج المعرفة من خلال مشاركة مفكرين وباحثين مغاربة وأجانب.

نعتقد أن الجامعة في حاجة إلى خلخلة تعيد إليها روحها كمجال للبحث العلمي، وكمؤسسة لا تتنكر لأبنائها، بل ومن أجل استمرار الخبرات العلمية نقترح أن يكون إلى جانب مجلس الجامعة مجلس حكماء الجامعة، يضم في صفوفه شيوخ الفكر وكل من تحمل مسؤولية سابقة ليكون بمثابة قوة اقتراحية تسند الجامعة بالعديد من الأفكار والاقتراحات وتقوم بالتقويم إن لزم الأمر، ولا مخرج من أزمة الجامعة إلا بعودتها حرما ممنوعا أن يلجه “الجهل”.

Exit mobile version