كشف والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أن القرارات المستقبلية للبنك المركزي بشأن سعر الفائدة الرئيسي ستعتمد على الظرفية الاقتصادية التي تظل غير واضحة، وقال الجواهري، خلال ندوة صحفية عقب الاجتماع الفصلي الثالث لمجلس بنك المغرب لسنة 2024: “يجب ألا نتصرف بتسرع وإلا سنخاطر بتغيير المسار بشكل مفاجئ لاحقا”، وأضاف أن “البنك المركزي المسؤول يتسم بالحكمة”، مشيرا إلى أن السياسة النقدية تهتم بالتوازنات الماكرو-اقتصادية، التي تؤثر بشكل مباشر على التضخم، والذي يؤثر بدوره على قيمة الدرهم، وبالتالي على القدرة الشرائية.
و اعتبر المجلس أنه من الملائم الحفاظ على التوجه الحالي للسياسة النقدية، من خلال الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في 2,75 في المائة، مع مواصلة تتبع تطور الظرفية الاقتصادية والاجتماعية عن كثب، وأكد أن طلبات الأبناك من السيولة ستتم تلبيتها بالكامل، رغم الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير.
وأوضح الجواهري “إذا أبدت الأبناك احتياجات لتمويل الاستثمارات أو للاستجابة لطلبات القطاع الخاص، فإن البنك المركزي سيوفر لهم المبالغ اللازمة”، وأشار إلى أنه “حاليا، نخصص 151 مليار درهم، ويمكن للمبالغ التي يمكن أن تحصل عليها الأبناك من البنك المركزي، بناء على الضمانات التي تقدمها على شكل محفظة، أن تصل إلى 400 مليار درهم”.
و رفض عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب بالرباط، تحميل كل المسؤولية للقطاع غير المهيكل في ارتفاع تداول “الكاش” بالمغرب، وقال إن البنك في صدد إتمام دراسة معمقة وشاملة حول هذا الموضوع تستشير كل الأطراف المعنية، وبين الجواهري عدم دقة الربط بين التداول الكبير للكاش في المغرب والقطاعات غير المهيكلة، مستشهدا بدول مثل كينيا ومصر التي لديها نسبة عالية من الاقتصاد غير المهيكل، لكن نسبة الكاش منخفضة.
وأوضح أن مصر التي يبلغ فيها حجم القطاع غير المهيكل 30 في المئة، لا يتجاوز حجم الكاش فيها 12 في المئة، وتنخفض هذه النسبة في كينيا التي تشبهنا في الاقتصاد غير المهيكل إلى 2 في المئة، في حين أن نسبة الكاش في المغرب ترتفع إلى 28 في المئة، كأحد أعلى البلدان تداولا للنقد.
ولفت إلى أن السبب في انخفاض التعامل بالنقود في كينيا يرجع إلى أنها قامت بثورة رقمية، في حين اتخذت مصر قرارات إدارية لمحاصرة الكاش وتقليله، علما أن بعض الدول تخلت بشكل شبه كلي عن التعامل بالكاش في معاملاتها المالية، كما أن الهند قررت جعل كل إعانات الدولة رقمية، والمغرب مطالب بالبدء في هذا المسار.
وارتباطا بالدرهم الرقمي، فقد أوضح الوالي أن هذا المشروع طويل المدى، وهناك عمل مع مؤسسات مالية دولية على الموضوع، ولكن لا يزال الطريق طويلا أمام اللجنة التي تشتغل على هذا الموضوع، وأضاف المتحدث أن الأولوية اليوم لمعالجة مشكل الكاش حتى يتيسر المرور للدرهم الرقمي، والمغرب يقوم بالدراسة في الموضوع، تزامنا مع اشتغال لجنة “الدرهم الرقمي” حتى لا يفوته القطار، لأن التطورات على هذا المستوى تسير بسرعة فائقة ولابد أن نتهيأ كي لا يفوتنا الركب، وهذا العمل في نفس الوقت على معالجة مشكل الكاش وعلى الدرهم الرقمي هدفه الاستعداد لكي يكون المغرب مهيأ عندما يحين الوقت.
وارتباطا بموضوع “الكاش”، أوضح الجواهري أن بنك المغرب يمنح للبنوك 151 مليار درهم كسيولة نقدية، ويمكن أن يصل حتى إلى 200 مليار درهم إذا كان الطلب يسير في اتجاه التمويل الاقتصادي، علما أن البنوك، وحسب الضمانات التي لديها، يمكنها أن تحصل على ما يزيد عن 400 مليار، وأضاف أن بنك المغرب يلبي كل طلبات البنوك، ويمنحها ما تحتاجه من سيولة لتلبي بدورها طلبات المستثمرين والمؤسسات الخاصة والعمومية، حتى لا يقال إن السياسة النقدية لبنك المغرب عائق أمام الاستثمار والاقتصاد.
وأكد الجواهري أنه يتتبع بشكل شهري كل استعمالات السيولة من طرف البنوك، والمسارات التي تتخذها، سواء كنت عبر قروض لمؤسسات خاصة أو عامة أو غيرها، وأبرز المتحدث أن السياسة النقدية تنبني على توازنات تؤثر على الاقتصاد والنمو، وتؤثر أيضا على التضخم، وهذا الأخير يؤثر على قيمة الدرهم وبالتالي على القدرة الشرائية، لذلك يحرص بنك المغرب على التوازن بعدم المساس بالتوازنات الكبرى، مع الحرص على تلبية جميع طلبات البنوك على المشاريع التي توصلت بها.
وتأسف عبد الطيف الجواهري والي بنك المغرب، لكون البطالة في صفوف الشباب ترتفع، وهو ما يؤدي إلى مثل هذه المشاهد، وأوضح الجواهري أن البطالة في صفوف هذه الفئة من الشباب المتراوح سنها ما بين 15 و 24 سنة ارتفعت من 46.1 في المئة إلى 48.8 في المئة، و شدد المتحدث على ضرورة الاهتمام بهؤلاء الشباب، لافتا إلى أن هذا المشكل يمكن أن يمس أي عائلة، وأشار إلى أن الحكومة قالت بأن أولوية أولوياتها في المرحلة الحالية هي مواجهة البطالة وخلق فرص الشغل.
وتوقف والي بنك المغرب على البرامج موجهة للشباب من قبيل “فرصة” و “انطلاقة”، مبينا أن نتائجها تكون على المدى البعيد، كما أنها تحتاج إلى مزيد من الاشتغال على جانب المواكبة والمصاحبة، فهناك من لديه فكرة وينبغي مساعدته في القيام بالدراسة ومساعدته على بلورة فكرته، وأيضا ينبغي مواكبته وتتبعه، وهو أمر ليس بالسهل ويحتاج للموارد البشرية.
وأبرز الجواهري أن ارتفاع البطالة ليس منحصرا على المغرب بل واقع في العالم بأسره، مشيرا إلى أن أغلبية فرص الشغل المفقودة كانت في القطاع الفلاحي ارتباطا بالجفاف والظروف المناخية، وفي المقابل فإن القطاعات الأخرى غير الفلاحية تخلق فرص شغل لكنها لا تكافئ حجم الضياع في القطاع الفلاحي.
ومن جهة أخرى، أكد الجواهري أن قرار بنك المغرب الإبقاء على سعر الفائدة في 2.75 في المئة، يعزى لعدة نقط من بينها استمرار مفاوضات الحوار الاجتماعي الذي قد يكون له تداعيات أكبر مما هو متوقع على تطور الطلب والأسعار. وبالتالي تقرر الإبقاء على سعر الفائدة مع مواصلة التتبع عن كتب لتطور الظرفية الاقتصادية والاجتماعية.
و أشار إلى أن الحوار الاجتماعي مستمر، وبعض القطاعات لا تزال تطلب، وهناك حديث عن مراجعة، إضافة إلى الشق المرتبط بالقوانين ومن بينها مشروع قانون الإضراب، ما يعني أن الحوار الاجتماعي لا يزال فيه أخذ وعطاء، وتوقف المتحدث على كون قرار بنك المغرب يكون متوسط المدى، أي ما لا يقل عن سنتين، وبالتالي لا يمكن أن يبني قراراه إلا على المعطيات التي تكون شبه مؤكدة، وليس على معطيات متأرجحة، وهذا التأرجح الموجود اليوم هو الذي دفع البنك إلى التريت.