إدريس عدار
أعلن المتحدث باسم إدارة العمليات العسكرية في سوريا أن الإدارة العامة السورية الجديدة اتخذت مجموعة قرارات:
حل كل الفصائل المسلحة، إضافة الى الجيش والأجهزة الأمنية القائمة في العهد السابق، وإلغاء العمل بالدستور وحل مجلس الشعب وحزب البعث والجبهة التقدمية.
وأعلن تولية الجولاني رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، ويقوم بمهام رئاسة الجمهورية العربية السورية، ويمثلها في المحافل الدولية.
وأعلن تفويضه “تشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقائية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ”، بعد “إلغاء العمل بدستور سنة 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية”.
وأعلنت هيئة تحرير الشام حل نفسها، وكان تنظيم أنصار الدين، الذي تأسس سنة 2018 والتابع لتنظيم القاعدة، أعلن حل نفسه لكن دعا إلى الحفاظ بالسلاح.
الإعلان عن حل التنظيم الحاكم بـ”الأمر الواقع” ليس له أي معنى واقعي سوى أنه يقدم صورة قانونية يتفادى من خلالها الجولاني تصنيف “هيئة تحرير الشام”، أما الهيئة لم يعد هناك داعٍ لوجودها أصلا، فهي الحاكمة في دمشق.
بعد وصول الفصائل إلى دمشق تم تشكيل حكومة مؤقتة، لم يتم فيها إضافة أي وزير من أي فصيل نهائيا، بل تم نقل حكومة إدلب، التي شكلها الجولاني واشتغلت مدة أربع سنوات.
قام الجولاني بتعيين وزير دفاع، هو الذي سيشرف على تشكيل الجيش السوري الجديد، هذا الوزير منحه رتبة عسكرية عالية جدا، وهو نفسه وزير الدفاع في حكومة إدلب، كما تم منح رتب عسكرية من درجة جنرال لعدد من الأشخاص وصل إلى حوالي 38 شخصا منهم خمسة على الأقل ليسوا سوريين، كما يوجد شخص تم تقديمه رئيسا للأركان تركي.
إذن ركيزة الجيش هي تنظيم هيئة تحرير الشام، وبالتالي حلها مجرد مسألة للالتفاف على قرار تصنيفها منظمة إرهابية، وأغلب الفصائل كانت موحدة مع الهيئة منذ مرحلة إدلب.
لكن سيبقى موضوع إسقاط صفة “إرهابي” عن الجولاني موضوعا للابتزاز من قبل القوى التي “تتهارش” على الفريسة السورية.
لا يهم عند “المنتصرين” في سوريا، وهم الأمريكان والأتراك وإسرائيل وبعض العرب، أن يكون الجولاني قائدا إرهابيا. لا يهم عندهم أن يحمل معه تاريخا من القتل في حق المدنيين. وحتى لا يستشكل علينا أحد: الجولاني اعترف في حواره مع سي إن إن بأن أعمال القتل التي مارسها هي ناتجة عن طيش الشباب. وسبق أن نشرت بيانات لجبهة النصرة تتبنى تفجير حافلات فيها مدنيون فقط لأنهم يختلفون معهم مذهبيا. وهو محكوم في العراق بالإعدام. واعترفت جبهته بخطف جنود لبنانيين وقتلهم. ما يهم المجموعة “نصيبهم” في القسمة، ولن يكون الأمر سهلا.
وأول الأمور التي سيتم الاصطدام بخصوصها، هو قرار الإدارة العامة السورية الجديدة حل الفصائل المسلحة وحصر السلاح في يد الجيش الذي سيتم تشكيله.
موضوع حصر السلاح ليس سوريا كما يعتقد البعض. هو موضوع القسمة بين “المنتصرين”. تركيا، التي تعتبر بمثابة انتداب جديد في سوريا، لا تريد أن ترى قوة كردية مسلحة بجوارها، بل كل هدفها هو القضاء عليها. أمريكا، التي أعلن رئيسها ترامب أنه سيسحب قواته من سوريا، لا يمكن أن ترفع يدها عن قسد، وقد استثمرت فيها كثيرا. حتى إذا كانت قد قررت التخلي عنها ما هو الثمن؟
قسد أعلنت أنها لن تضع سلاحها لأنه ليس سلاحا هجوميا وهو سلاح دفاعي وأنها لم تشارك في الحرب الداخلية. لكن أردوغان صرح في بداية يناير الجاري بأنه أمامهم خياران: إما أن يلقوا السلاح أو يدفنوا تحت الأرض مع سلاحهم. وكل المسؤولين الأتراك يتحدثون عن نزع سلاح الأكراد طوعا أو كرها لوحدهم أو بالاتفاق مع الحكومة السورية الجديدة.
فهذا أول عناوين الاصطدام الواضحة، ولا يمكن فك هذا الاشتباك إلا بتفاهمات كبيرة، يبدو أن إعلان الجولاني نفسه رئيسا عن طريق مجلس للفصائل المشتركة معه سابقا، رسالة سيئة نحو الأكراد وباقي الفصائل التي لا توافقه الرأي.
كما أن تفويضه تشكيل مجلس تشريعي، لا ينسجم مع الشعارات المرفوعة لكنه يتلاءم مع ما أعلنه سابقا، إذ قال إن المرحلة الانتقالية ستدوم أربع سنوات، وكتابة الدستور ستستغرق على الأقل ثلاث سنوات.
هناك من يعول على “اللوك” الجديد للجولاني بعد أن تم تعميده باسم “أحمد الشرع” ليصنع دولة. هل إزالة الثياب القديمة وارتداء لباس جديد يعني أن كل التراكم “الإرهابي” قد راح؟ هل يمكن أن ينجح من خلال تعيين نفسه رئيسا وهو يحمل النفس الطائفي بشكل واضح؟
الجولاني… من تنظيم القاعدة إلى رئاسة سوريا بـ”الأمر الواقع”
