في إطار الالتزام بالموضوعية، والمبدأ القرآني “ولا تبخسوا الناس أشياءهم”، كتبنا أمس عن تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وقلنا إنه لا جدوى منها إن بقيت في الرفوف، واليوم نتحدث عن الجانب الآخر والذي يُحسب للمجلس، فالجانب الأول يتعلق بمراقبة المالية العمومية وطرق صرفها بل حتى جمعها إذ وجه انتقادات لوزير الاقتصاد والمالية في تدبيرها للجانب الضريبي، والجانب الثاني هو المواكبة للمؤسسات في تدبيرها للشأن العام، وهنا نقف عند انتقاداته، التي وجهها لبعض القطاعات التي تهم استهلاك المغاربة.
فلنقف عند أمر واحد، غذ يقول التقرير الصادر أخيرا عن المجلس إن 96 في المائة من الدجاج الذي يستهلكه المغاربة مذبوح بطريقة تقليدية، أي أنه غير خاضع للمعايير الصحية، وبالتالي فإن قلة من المغاربة هي التي تستهلك دجاجا صحيا، أما باقي المغاربة فلا، حيث لا يتم ذبح الدجاج في المجازر الخاصة، بل في دكاكين لا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة الصحية.
ليس المواطن من يتحمل المسؤولية، وهو الذي يلجأ إلى اللحوم البيضاء باعتبارها الأرخص، ولكن مسؤولية وزارة الفلاحة باعتبارها الوصية على قطاع السلامة الصحية، إذ أن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمواد الغذائية تحت إشرافها، وبالتالي فإن النقد موجه مباشرة لعزيز أخنوش باعتباره كان وزيرا للفلاحة في الفترة التي يغطيها التقرير.
اليوم من يحاسب من؟ هل سيقوم عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي، بمعاقبة عزيز أخنوش، وزير الفلاحة السابق، عن تقصيره في مراقبة المنتجات الغذائية، التي استهلكها المغاربة.
لكن الأمر لا يقف عند حد أن يكون المكلف اليوم بمحاسبة الوزير السابق هو نفسه، ولكن الأمر أخطر من ذلك، لأن ما انتقده المجلس الأعلى للحسابات، بخصوص انتفاء شروط السلامة الصحية في عدد من القطاعات الاستهلاكية، ما زالت مستمرة إلى الآن، وبالتالي فإن المسؤول عنها هو الوزير الحالي محمد الصديقي، الذي كان كاتبا عاما لنفس الوزارة سنين طويلة، وبالتالي هو يتحمل جزءا من المسؤولية عما سبق ويتحمل المسؤولية الكاملة عما يحدث الآن.
الوزير المعني بالأمر نراه يوميا في الإعلام العمومي المرئي يجول في المناطق كي يعطي انطلاقة توزيع الشعير المدعم وهي عملية يمكن أن يقوم بها عبر الهاتف، حيث يكلم المسؤولين بالمناطق للقيام بذلك، لكن هذه التنقلات الكثيرة والتي بلا قيمة لا معنى لها وغير مفهومة، في وقت كان عليه أن يقوم بجولات يومية ليرى أن هناك مؤسسة كبيرة تابعة له لا تقوم بواجبها، ولا تقوم بدور الرقابة المخول لها، تاركة حبل انتشار الأمراض والميكروبات على الغارب.
عدم مراقبة ما يدخل “معدة” المغاربة تعود آثاره السلبية على ميزانية الدولة لأن إصابة المواطنين بأمراض معينة نتيجة سوء الاستهلاك يؤدي إلى خسارة ميزانية كبيرة في العلاج بل يؤدي إلى مضاعفة الجهد على المستشفيات التي تعاني أصلا.
الحكومة تُهدد “معدة” المغاربة
