نؤكد بداية أن الحوار الاجتماعي هو الآلية الوحيدة لضمان السلم الاجتماعي والاستقرار في ميادين العمل، وفي غيابه يتم تحويل الوجهة إلى منصات أخرى طابعها الفوضى وخلق القلاقل، وطريقة حكومة عزيز أخنوش في التعامل مع المجتمع تسير نحو هذا الرهان، لأن رؤيتها للحوار الاجتماعي لا تخرج عن رؤية صاحب الشركة، الذي يعتبر النقابة خصما وهذا أمر طبيعي، لأن النقابة تمثل العمال بينما الباطرون لا ينظر بعين الثقة للنقابة، وإن كانت في بعض البلدان أصبحت شريكا في صناعة القرار داخل المؤسسة سواء كانت عمومية أو خاصة.
أخنوش بما أنه رجل أعمال لم يتخلص بعد من هذه القبعة ينظر دائما لأطراف الحوار الاجتماعي بهذه النظرة، فعندما يتعلق الأمر بحوار الحكومة مع النقابات يكون هو الباطرون، وعندما يتعلق الأمر بحوار النقابات والباطرونا ينحاز لهذه الأخيرة، وهذه الرؤية خطيرة.
ولهذا ما جرى أخيرا ووفق ما تم تسريبه من معطيات لا يرقى لمفهوم الحوار الاجتماعي، لناحيتين، الأولى وهي التي أشرنا إليها والثانية تتعلق بـ”التغول” الذي تعيش عليه الحكومة، التي تمارس تسلطا واضحا على جميع مناحي الحياة، لا توحي بأنها حكومة تمثل أحزابا فازت بالمراتب الأولى في الانتخابات التشريعية، لو كان لها نفحة عدوانية تجاه كل من تعتبرهم خصومها، وحتى لو كان لها خصوم فهو أمر طبيعي وعليها أن تقبل الجميع باعتبارها حكومة تمثل المغاربة جميعا حتى الذين لا يرون في تدبيرها طائلة.
الحوار الاجتماعي، بما هو موضوع هذه الافتتاحية، ليس نزهة ينظمها رئيس الحكومة، الذي تبين أنه لا يعرف قواعد الحوار، عندما جلس في كرسي رئاسة الجلسة التي جمعته بإحدى المركزيات النقابية، التي رفضت الوضع باعتبار الحوار بين طرفين متساويين من حيث القيمة المعنوية، والتي لا تسمح لأخنوش بأن يكون رئيسا في جلسة تجمع الحكومة التي هي طرف والنقابات التي هي طرف مقابل ونظير.
وكي يكون الحوار الاجتماعي ناجحا ويأخذ أبعاده، التي من أجلها تم إيجاده كآلية لتدبير الخلاف بين أطراف العملية الإنتاجية، لابد أن يأخذ شكل المؤسسة، التي تقوم على قواعد وضوابط واضحة، يعرف كل طرف فيها حقوقه وواجباته، وألا يبقى رهين مزاج رئيس الحكومة، يستعمله كأداة لإسكات صوت الشارع، المرتفع جهوريا اليوم مطالبا بتحقيق العدالة “القوتية” التي ضربتها الزيادات في مقتل.
يتأسس الحوار الاجتماعي أولا على دورية الانعقاد، التي ينبغي أن تكون قانونية يخضع لها الجميع من حيث الانعقاد والالتزام. دورية الانعقاد تخول الأطراف الإعداد الجيد لجلسات الحوار حتى لا يبقى منصة لنفخ الأحضان واستعراض العضلات وممارسة التسلط. وثاني القواعد التي يرتكز عليها هو التواصل والاسترسال في العمل عن طريق لجان فرعية ومصغرة تضم كافة الأطراف تعالج المشاكل الآنية وترفع تقارير للجلسات العامة كي تتدارسها. وثالثها هو رغبة الجميع في ضمان السلم الاجتماعي عن طريق الأخذ والعطاء.
الحوار الاجتماعي المفترى عليه
