مهما طال الخصام بين الأشقاء يصل إلى نهاية حتمية، وحينها يندم الذين دخلوا بخيط أسود. خلال السنوات الأخيرة عشنا قصة بدول الخليج، اختلفت حولها التسميات، ففي الوقت الذي قالت الدول الخمس إنها “مقاطعة” لقطر، كانت هذه الأخيرة ومن معها يطلقون عليهم دول الحصار. في هذه الهمروجة اختار المغرب موقفا مستقلا ومحايدا، ولم ينحز لطرف على حساب آخر. هم أشقاء وحلفاء للمغرب وبالتالي لم يناصر أحدا ضد الآخر، بل اختار “الاعتدال والتوسط” بين طرفين تطرّفا في خصومتهما التي ما كان ينبغي أن تقع، وفق الرؤية الملكية.
اختار جلالة الملك محمد السادس موقفا وسطا لم يعجب حتى الأشقاء في الخليج، لكن نسوا أن المغرب يتخذ الموقف الذي يريده ووفق سيادته، ولما اشتد النزاع وقررت دول من مجلس التعاون الخليجي ومصر مقاطعة قطر أو محاصرتها، حسب التعبيرين المختلفين، أعطى جلالته تعليماته بإرسال مساعدات عاجلة إلى الدوحة.
هذا القرار لم يعجب الأشقاء في الدول الأخرى، وعبرت عن غضبها، غير أنهم فهموا في النهاية أن الرؤية الملكية تقتضي التدخل لرأب الصدع بين دول الخليج، الذين هم في النهاية امتداد واحد تاريخي وثقافي وسياسي، وأي توسط بينهم لن يكون إلا بالخير.
ولعب الإعلام دورا كبيرا في توتير الأوضاع، وتولت قناة الجزيرة كبر مهاجمة الدول العربية، ليس بعد القطيعة بين دول الخليج، ولكن قبل ذلك بكثير ومنذ الربيع العربي، وحتى قبله، وما زال المغاربة يذكرون يوم تحدثت عن سبعة قتلى في إخلاء بوابة ميناء سيدي إفني فتبين أن الخبر زائف مطلقا، وتم إغلاق المكتب وكان هذا قبل الربيع العربي.
دول الخليج كانت تعتبر الجزيرة تؤدي وظيفة إعلامية لأنها لم تكن متاخصمة وكان هدفها واحدًا، لكن بعد قرار المقاطعة أو الحصار وقفت هذه الدول على الحقيقة التي ظل المغرب يعلنها، باعتبار أن هذه القناة تمارس عدوانا مستمرا على كثير من الدول والحكومات وتقوم بالتحريض.
كل الإعلام كان له حظ من التوتير والتحريض غير أن هي كانت رائدة في المجال، واليوم غيرت وجهها بالمطلق ونسيت كثيرا من الملفات التي كانت تتولى التطرق إليها بمناسبة ومن غير مناسبة حتى أصبحت تخصص نشرات متتابعة لحدث يتعلق بشخص واحد، طبعا لكل إنسان أهميته لكن هذه القناة لا تهتم بكثير من القضايا الكبرى، واليوم أصبحت مغيرة لوجهتها، وهذه طبيعة الإعلام الوظيفية والتوظيفية.
ليس المشكل في الإعلام، الذي لم يقل أحد إنه محايد إلا إذا كان غير متابع لتفاصيله، ولكن المشكل في المحللين، الذين يتبعون الإعلام بدل أن يكونوا هم نبراسا له، ويتم تلويك المعلومات التي يصرفها الإعلام في إطار وظيفيتيه والقيام بعملية روسيكلاج وتقديمها على أنها تحليل وتوقعات، ولو أحصينا توقعات هؤلاء الخبراء لتبين لنا حجم السقوط الذي نعيشه جانبه.
الدبلوماسية الملكية والمصالحة الخليجية
