Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الدروس الحسنية والتجديد الديني

تشير استمرارية الدروس الحسنية، وتحت الاسم الذي اختاره لها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، إلى العناية التي يوليها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس ومؤسسة إمارة المؤمنين للشأن الديني، باعتبار أحد أهم أوجه الانتماء الثقافي للمغاربة، وهي تأكيد على أن للدين الإسلامي حضورا قويا داخل المجتمع، ومن هنا كانت كلمة جلالته بصفته أميرا للمؤمنين عندما قال ذات خطاب عن تعديل مدونة الأسرة “إني لن أحلل حراما ولن أحرم حلالا”.
انضباط ملكي بثوابت الشرع الحنيف برؤية تقدمية اعتمدها المغاربة من خلال التجديد عبر النظر في النوازل وليس الانغماس في المنتوج التاريخي، وفق محددات وثوابت المدرسة المغربية، التي اكتملت تاريخيا بتبني المغاربة للمذهب المالكي فقها وللعقيدة الأشعرية كلاما ولتصوف الجنيد في السلوك، دون الانغلاق الذي عرفته كثير من المدارس الأخرى، لهذا يكثر فقه النوازل لدى علماء المغرب.
الدروس الحسنية، التي ترأس أمير المؤمنين، مفتتحها أول أمس بالدرس الذي ألقاه أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، تجسيد عملي لاستمرار التجديد على كافة المستويات بدءا بالتجديد الفقهي، الذي أنتج مدونة الأسرة التي تعتبر ثورية في حينها، وهي نتيجة قراءة علمية تجديدية للنصوص الشرعية المتعلقة بالعلاقات الأسرية.
الدروس الحسنية، دلالة على أن المغرب استطاع خلق نموذجه المختلف، الذي يجمع فيه بين إمارة المؤمنين باعتبارها عنوانا للدين وبين الملكية باعتبارها رئاسة سياسية للدولة، وليس من السهل اعتماد نمط من هذا النوع، رغم تشبثه الصارم بتقاليد الإسلام الحنيف اتخذ طريقا وشق مسلكا قويما في تبني الخيار الديمقراطي الانتخابي، وهي موازنة عظيمة لو يعلمون.
الدروس الحسنية تعني أن قائد التجديد والاجتهاد الديني هو أمير المؤمنين، الذي باسمه تصدر الفتوى، وحصر الفتوى في الإمارة الدينية تقليد تاريخي عند المدارس الفقهية التي تحترم نفسها وتحارب فوضى الفتوى، التي أنهكت كثيرا من الشعوب والأمم حتى تحول الدعاة، وأغلبهم بلا علم، إلى فقهاء يفتون في شرع الله، ومن أفتى بغير علم “هلك الحرث والنسل”.
الطريقة التي تتم بها الدروس الحسنية إحياء للدرس الديني عند كبار العلماء، حيث يتحدث الفقهاء في حضرة أمير المؤمنين الذي يقوم بالتوجيه، وهذا التوجيه هو الذي أنتج عشرات الاجتهادات التي يعمل العلماء والدارسون المتفرغون على تحقيقها.
الفتوى حاجة دينية لدى المواطن، وحصر الفتوى في إمارة المؤمنين ليس تحجيرا على اجتهادات الباقي، ولكن محاربة لفوضى الفتاوى، التي لن تخلق إلا البلبلة، وهي من باب العودة إلى أهل العلم وأولي الأمر وهي من باب إطاعة الله والرسول وأولي منكم، فالطاعة هنا بمعنى الاقتداء والاتباع لا الابتداع والسير خلف كل ناعق لا يعلم من الدين إلا القشور.
بالجملة تمثل الدروس الحسنية عنوانا للالتزام الملكي بسمو الدين الإسلامي بقراءة تجديدية يحرص جلالته نفسه على تتبع آفاقها ويساهم فيها علماء من الشرق والغرب.

Exit mobile version