إدريس عدار
لن أتحدث هنا عن الدولار في المغرب، وإن كانت الحكومة تتعامل معنا كأننا نتقاضى أجورنا بالدولار. وحتى صاحب المقهى يعتبرنا من أصحاب الدولار إذ وصل ثمن رشفتين من القهوة إلى دولار ونصف تقريبا.. لكن حديثي عن الدولار بما هو عملة خادعة ومخاتلة يحاول العالم التخلص منها.
لعل أولى أولويات منظمة البريكس هي التخلص من هيمنة الدولار. هذا الساحر الذي لا قيمة له سوى الوهم. لكن يمكن التخلص مما هو حقيقي بينما التخلص من الشيء الوهمي يقتضي وقتا طويلا ومقاومة كبيرة. لعل مقاومة الدولار تدخل ضمن مقاومة ثقافة الغرب، التي تعتبر اليوم شاملة.
الدولار العملة الوحيدة التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية. مر من مراحل عديدة. أهمها الدولار الفضي والدولار الذهبي.
قبل قرن ونصف لم يكن الدولار يستطيع منافسة الجنيه الاسترليني. وكانت قيمته ضعيفة أمامه. لكن الطفرة سيعرفها بعد صك الدولار الفضي.
قبل أن ينتهي القرن التاسع عشر ولما كانت السنوات الأخيرة تنصرم، تم سن قانون لسك عملة من الفضة. حيث تم استغلال مخلفات مناجم الفضة بشكل كبير. حيث كانت تشتري الحكومة ما بين مليوني إلى أربعة ملايين دولار من سبائك الفضة وتقوم بسكها دولارات. رأى البعض أنها حيلة التجار لبيع الفضة للحكومة. طبعا التاجر هو الحكومة نفسها. وكان منتجو الفضة من السياسيين الكبار في أمريكا.
لكن هذا الأمر سيصطدم بمصالح قوى أخرى وخصوصا المزارعين، فتم التحول إلى سك العملة بالغطاء الذهبي. ودخلت أمريكا في صراعات بهذا الشأن وتضاءلت العملة الفضية حيث تم سنة 1900 اعتماد الغطاء الذهبي رسميا.
سيصمد الغطاء الذهبي إلى حدود سنة 1971 مع ما يُعرف بصدمة نيكسون.
بعد الحرب العالمية الثانية اجتمعت عديد من الدول في بريتون وودز الأمريكية واتفقت على نظام كانت فيه الولايات المتحدة الأمريكية مطالبة بدفع مقابل الدولار ذهبا (35 دولارا لكل أونصة ذهب). لكن سنة 1971 سيعرف بلد الدولار تقلبات كثيرة. بطالة مرتفعة. تضخما. وغيرها. سيقرر الرئيس نيكسون التخلي عن النظام المذكور. بل هناك حكاية أخرى تقول إن أمريكا لم توفر بتاتا مقابل الدولار ذهبا وأن نيكسون فضحها فقط.
انتهى عصر الدولار الذهبي لكن العصر الذهبي للدولار لم ينته. استمرت الخديعة وما زالت.
اليوم يتململ العالم. الصين قوة اقتصادية مدعومة باقتدار عسكري شامل. روسيا دولة قوية عسكريا ومكتفية اقتصاديا. الهند بلد له مكانته الاقتصادية. أمريكا اللاتينية تتحرك. الشرق الأوسط يغلي. وطنجرة الاقتصاد العالمي تغلي أيضا. سيتم ربما طبخ شيء جديد. عملة جديدة. لا قيمة للبريكس دون عملة منافسة. البريكس دون حلفائه وأصدقائه يمثل ثلث العالم من السكان. يعني إمكانية الخلاص واردة.
التوازن العسكري في العالم اليوم أصبح واضحا. لم يعد هناك قطب واحد يمكن أن يشكل عنصر هيمنة. لكن الهيمنة الاقتصادية ما زالت مستمرة. فهل يمثل بنك التنمية الجديد للبريكس قوة مقاومة للبنك الدولي؟ مؤسسات مالية أُنشئت بغرض الهيمنة لا يمكن التخلص من جبروتها إلا بمؤسسات منافسة. بعملة بديلة. بنظام مالي رديف. هذا ممكن إذا علمنا أن البريكس كقوة صناعية هو اليوم أحسن حالا من مجموعة السبع الكبار.
على سبيل الاستئناف: لا يهمني دولار أمريكا ولا عملة البريكس. يهمني أن أؤدي ثمن قهوتي بالريال المغربي.
الدفع بالدولار…بدائل أخرى ممكنة
