Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الربيع الإفريقي: عودة الانقلابات تصنع التغيير

جمال ايت لعضام

عرفت القارة السمراء عودة موجة من الانقلابات العسكرية والانفلاتات الأمنية في عدة بلدان إفريقية طالبت دائما بديمقراطية نزيهة وسياسة داخلية خالية من التدخل الأجنبي؛ والتي بدأت بمالي وانتقلت نحو السودان لتصل إلى بلاد النيجر، التي قد شهدت سابقا فترات طويلة من التدهور متأرجحة ما بين أزمات إنسانية وهشاشة اقتصادية، ناهيك عن التبعية الخارجية لا سيما السياسية منها، ليقف العالم اليوم مصدوما أمام انقلاب عسكري في البلاد للإطاحة بنظام الرئيس الشرعي “محمد بازوم” الذي طالما عرف “بحامي مصالح فرنسا الخارجية بالنيجر”.
يمكن القول، إن انقلاب النيجر كشف عن خلل كبير في تدبير آليات العمل السياسي والمؤسساتي والعسكري للشؤون الداخلية للبلاد، التي ظلت مرتبطة لعقود طويلة بتسيير سلطوي خارجي لشؤون الشعب النيجري، ناهيك عن تنصيب نخب سياسية حزبية وعسكرية تابعة للنفوذ الفرنسي، أدى في النهاية إلى إشعال فتيل التوتر داخل كواليس الحرس الرئاسي النيجري وبالتالي حدوث الانقلاب العسكري من قبل قائد الحرس الرئاسي وإزاحة بازوم عن السلطة، والذي سيجر البلاد لا محالة في حال استمراره إلى تدفق موجة جديدة من الهجرة نحو عدد من دول المغرب العربي والدول الأوروبية.
يعد انقلاب النيجر ذا أثر كبير دوليا لما له من تداعيات مهمة على الساحة الإفريقية وخصوصًا منطقة الساحل والصحراء، حيث مثل نقطة تحوّل في الخريطة الجيوسياسية، وكذلك أدى إلى انطلاق مجريات ما يُسمى بصراع المصالح للقوى الخارجية التي أصبحت ترى من النيجر ساحة المنافسة الغربية بين دول الحلفاء الكلاسيكيين من جهة والدول الصاعدة متمثلة في كل من الصين، وروسيا، وتركيا، والهند من جهة أخرى.
ومن الجلي أن معظم التوقعات والتكهنات حول مستقبل البلاد بعد الأحداث المتسارعة التي شهدتها النيجر في بحر الأسبوعين الماضيين اتجهت نحو اتساع رقعة الصراع بين الانقلابيين والقوى الخارجية الداعية إلى إعادة النظام السياسي والأمني داخل البلاد، هذا الصراع الذي خَلُص إلى فكرة مفادها أن فرنسا لم تقدم شيئًا لشعب النيجر، ولم تسع لمساعدته في حل أزمته الاقتصادية والاجتماعية بل انصب اهتمام حكومة ماكرون بالمقام الأول على حث بلدان غرب إفريقيا على خدمة مصالح فرنسا على حساب الخيرات والثروات الطبيعية للنيجر.
وعلاوة على ما سبق، أبدت الدولة المغربية مخاوفها من استمرار حدة الأزمة في النيجر نتيجة الضعف الدبلوماسي والتفاوضي لحل النزاع الحالي بين الأطراف المتصارعة، وتحويل هذا الصراع إلى مواجهة داخلية وأخرى إقليمية تهدد أمن واستقرار دول الجوار، ناهيك عن انتظار قرار مجموعة الإيكواس ومنظمة الاتحاد الإفريقي للتدخل العسكري الذي قد يبدد الرغبة في تسريع عملية السلام في البلاد، وكذلك تحفيز موجة نزوح اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى المناطق الحدودية مع النيجر خصوصًا إلى مالي، وتشاد والجزائر.
وعليه، جاء موقف المملكة المغربية محايدًا ومعارضًا لما وصلت إليه الأوضاع في النيجر جراء الانقلاب العسكري، وذلك يعود إلى عدة اعتبارات تتعلق بمصالح المغرب الاستراتيجية والأمنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي للنيجر، باعتبار دولة النيجر شريكا اقتصاديا وأمنيا مهما في مواجهة الجماعات الإرهابية وشبكات تهريب الأسلحة والبشر داخل منطقة الساحل والصحراء، ولهذا السبب، حذرت المخابرات المغربية في مناسبات عدة من خطر احتمال وقوع تعاون مباشر بين الجماعات المتطرفة والإرهابية وكذلك ميلشيات البوليساريو بمنطقة الساحل والصحراء وتحويل المحيط الإقليمي إلى بؤرة دولية للجماعات المسلحة.
وعليه، تبقى المواقف الحذرة للدولة المغربية في خانة الانقسامات الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، حيث إن بعض العواصم المغاربية قد تخسر مصالحها الحيوية بما فيها مصادر الطاقة في المنطقة جراء تصاعد مخاوف تسرب الجماعات المسلحة إلى حدودها مما يشكل خطرا حقيقيا على أمنها القومي وعلى علاقاتها الجيوسياسية مع باقي دول الجوار.
وختاما، مهما تعددت الآراء واختلفت التكهنات حول مستقبل العلاقات الأمنية والاستراتيجية بين النيجر ودول المنطقة، فالسؤال المطروح هو: هل مستقبل الدول الإفريقية وأمنها واستقرارها القومي سيبقى مفتوحًا أمام تدخل عسكري دولي أم سينتهي إلى حل سلمي توافقي إفريقي؟

*دكتور في العلاقات الدولية والقانون الدولي

Exit mobile version