في مدينة لا تنام على وقع كرة القدم، وبين جدران فندقٍ يعجّ بأصوات النقاش وتبادل الآراء، جرت مساء الإثنين لحظة استثنائية لم تكن مجرد إجراء إداري.
كان الجمع العام لنادي الرجاء الرياضي شيئًا آخر. حدثًا يخرج عن المألوف، لا في مدته التي تجاوزت التسع ساعات، ولا في نتيجته التي أعادت جواد الزيات إلى الواجهة، بل في مضمونه العميق: مؤسسة قررت أن تُواجه جمهورها لا أن تُخفي عنه الحقيقة.
في العادة، تعقد الأندية المغربية جموعها العامة خلف الأبواب، في زمنٍ مختزل، بصيغة تقرير لا يقبل النقاش.
أما الرجاء، فاختار مسارًا نادرًا: أن يُبقي النوافذ مفتوحة، أن يُظهر كيف تُدار الأمور، أن يُفكر بصوتٍ عالٍ أمام أنصاره.
جمع عام يُبث مباشرة أمام الملايين، بكل ما يحمله ذلك من مخاطرة، لكنه أبلغ من ألف شعار حول الشفافية.
الرئيس لم يُفرض. لم يُعيَّن في الظل. بل جاء عبر صناديق اقتراع، وُضعت أمام الجميع، وقُرئت نتائجها بلا وساطة. لا تحالفات مشبوهة، ولا صفقات ليلية.
اختار المنخرطون من يمثلهم، وهم يدركون أن المرحلة المقبلة دقيقة، محكومة بتحولات في البنية، بعد دخول نادي الرجاء فعليًا زمن الشركة الرياضية.
لم يكن صعبًا أن يلاحظ المتابع أن “روح المؤسسة” كانت حاضرة في القاعة. النقاش لم يكن عن الأرقام فقط، بل عن التوجه، عن الاختيارات، عن الرؤية.
وهو أمر لا يحدث كثيرًا، لا في الرياضة، ولا حتى في السياسة. كان مساءً يعيد الاعتبار لفكرة الانتماء لا كعاطفة، بل كمسؤولية.
وربما، ما يميز هذه اللحظة أن الرجاء لم يتنازل عن ذاكرته. لم يتناسَ تجارب سابقة أنهكته، ولم يُغره المال السهل أو الخطابات المنمقة. فضّل أن يُصغي لصوت المنطق، لا لصوت الصفقات. وهذا في حد ذاته، قرار شجاع.
في الخلفية، كانت الجامعة والعصبة حاضرتين. لكن الرجاء، دون أن يقصد، وضع أمامهما مرآة.
لا تقارير مالية تُنشر، ولا جمعيات عمومية تُنقل، ولا محاسبة تُطرح. على عكس ذلك، اختار النادي الأخضر أن يكون في صلب مساءلة ذاتية، لا تهرب من الأسئلة، ولا تخاف من اختلاف الآراء.
ربما الرجاء ليس النادي الوحيد في المغرب، لكنه في كثير من المحطات بدا وكأنه الوحيد الذي يملك شجاعة الاختلاف.
في زمن “الصمت المؤسسي”، قدّم عرضًا حيًا لما يمكن أن تكون عليه المؤسسة حين تَعتبر جمهورها جزءًا من القرار، لا مجرد متفرج على الهامش.
الرجاء لم يربح فقط رئيسًا جديدًا، بل استعاد جزءًا من هويته.
ليس كفريق يُراهن على البطولات، بل كمؤسسة تحترم الوعي، وتستثمر في الثقة، وتضع الديمقراطية في قلب الممارسة، لا على هامش البيانات.
وبينما كان البعض ينتظر صفقات مالية أو أسماء لامعة، اختار الرجاء أن يستثمر في شيء لا يُقاس بالأرقام: المبدأ.