Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

“الرّبيعُ العربي” وتَمرُّد “سبَارتاكُوس” ونهايتهُ المأساوية

محمد فارس

من المؤرّخين من يسمّون أنفُسهم بمؤرّخي الثّقافة، ويدَّعي هؤلاء أيضا أنهم متأثرون بِخُطى مؤرِّخي التّواريخ العامة وأنّهم هم الذين ينتجون الحوادث، ولكن هؤلاء المؤرّخين يَفهمون أيضًا هذه القِوى على صورٍ مختلفة تمامًا حين يَكتشفونها في (الثّقافة) أي الفاعلية الفِكرية.. إنّ مؤرِّخي الثّقافة حازمون تُجاه أولئك الذين أعطوهم مولدًا، يَعني مؤرّخي التّواريخ العامة مثْل أصحاب ذكرى ثورة (25 يناير) في هذا البلد؛ وذكرى (17 فبراير) في ذاك البلد، وذكرى (20 فبراير) في بلد آخر.. إنّ هؤلاء يعلنون أنّ هذه الفاعلية الوهمية هي سببُ الحوادث، وهي سببُ كلّ شيء آخر؛ ولكيْ يُقنِعونا بوجود صلة مشتركة بين الفاعلية الفكرية والثقافية والسياسية ومُحركات الشعوب لابدّ لهم من مقدارٍ عظيم من الأكاذيب، والسّفْسطة، والتّهويل؛ ومع ذلك، لا يمكننا في أيّ حال، أن نَقبل بأن ما يدّعونه بأنّ هذه الفاعلية الفِكرية، والثقافية، والسّياسية المزعومة هي التي توجّهُ الشّعوب، لأنّ بعض الظّواهر كالمذابح الرّهيبة لـمَا سُمّي (الثورة الفرنسية)، والظّواهر الفظيعة التي نتجَت عمّا أسموهُ (الثورة الروسية) تُناقض تلك الفَرضية بصورة مطلقة.. صحيح أنّ ما أسموه (الربيع العربي) قد أدّى إلى تخلّي رئيسٍ عن منصبه، وفرار رئيس آخر إلى منفاه، وقَتل رئيسٍ آخر بدون محاكمة، لَيُبيِّن أنّ الشعوب مسيَّرة بقوّة عَصية عن التّعريف؛ فالقضية الأساسية للتاريخ تبقى غيْر محْلولة..
لكنْ هناك مَن ما زال يُحْيي ذكرى خيبات وانكسارات، ويُذكّر بهذه التّواريخ السّوداء التي عانت منها الشعوب الـمَضحوك عليها تمامًا كما ضُحِكَ على الشعب الفرنسي بما يسمى تعسُّفًا (الثورة الفرنسية) وإعلان (حقوق الإنسان)، وهو ما أتى بظالم ومستبد اسمه [نابليون]، والذي أعلنَ أنّ الثّورة انتهت، بل ماتت، وحلّت مكانها ديكتاتورية أدّت إلى دمار [فرنسا]، تمامًا كما ضُحِك على الشعب الرّوسي، وأُسْقِطت الإمبراطورية وأُعْدِم القيصر، وحلّ مكانه ديكتاتوريون شيوعيون حتى صار الشعبُ الرّوسي يَحِنُّ إلى عهد (القيصر)؛ الشيء نفسُه حدث لـمّا أُسْقِط نظامُ (صدّام حسين)، فصار الشعبُ يحِنّ إلى عهد (صدّام)، الشيءُ نفسُه فعلتْه شعوبٌ آمنتْ، وظنّتْ أنّ الثورة الملْغومة والمسيّرة من طرف قِوى خفية سوف تحقّق آمالها، لكن هذه الثورات أتتْ بديكتاتورية، ومظالمَ وتهجير، لأنها لم تكُنْ ثورة شعوب بل ثورة استبداد..
كان الكلّ يهلِّل لظاهرة (الربيع العربي)، ويحلّل، ويُزْبد، ويُرْغي في قنوات التضليل، وكان المداد يسيل على الورق، بل صار وِدْيانًا تجري على صفحات الجرائد، وكان كاتبُ هذه السّطور يحذّر، ويؤكّد أنّ لهذه الظواهر مخاطر، فكان يتعرض للانتقادات، بل حتى زوجتي التي وثِقَتْ بقناة (الجزيرة) اتّهمتْني بأنّي أسير ضدّ التّيار، فكانت جريدةُ [النهار المغربية] مشكورة تنشر مقالاتي رغم أنّها كانت نَشازًا؛ ولكن بعْد حين، عندما ظهر أنّ (الربيع العربي) كان كارثةً، كان فيها [العَرْعور؛ وحسّان؛ والقرضاوي؛ والريسوني؛ وبنكيران] زعماء، تُردَّدُ أقوالُهم، وتُرفعُ أسماؤهم على لافتات أثناء المظاهرات؛ ولما أحسّتِ الشّعوب بهول الكارثة، بدأتِ الأقلام المتهافتة تتراجع، وتبرّر، وتقول: [كنّا نعتقد؛ كنا نظنّ؛ كنّا نأمل، ولكنْ]، ولا أحد اهتدى بأنّ [القِوى الخفية] استَعملت الجماعات، والأحزاب ذات الخلفيات الدّينية في مخطّطِها الجَهنّمي مثل [القاعدة؛ وداعش؛ والنُّصْرة؛ والنّهضة، والعدالة والتّنمية]، لِعِلمها الـمُسْبق أنّ الشعوب تَثقُ بأصحاب العمائم والقَلانِس، وتمزَّقتِ الشعوبُ، وحلّ الخراب..
لكنْ هَل عانت بلادُنا، هي كذلك، من [الربيع العربي]؟ الجواب: نعَم! فمَنْ أتى بالعدالة والتّنمية إلى السّلطة غَيْر ظاهرة [التّرويع العربي] الذي كان [بنكيران] يهدِّدنا به في خطاباته؟ من حملهم إلى السّلطة غيْر شعب صدّق نِفاقهم، وكذِبَهم، بواسطة الدين وبشعار [الدّعوة إلى الله]؟ ولم يَسْتفِقْ من غفْلتِه حتى كان قد فات الأوان، فغَنم الإسلاميون، وأثروْا، واغْتنَوا، بعدما حَرموا المغاربة حقوقَهم، وألْهَبوا الأسعار، وأكثَروا من الاقتطاعات بعْد كلّ إضرابٍ مشروع، فيما هم كانوا قد حقّقوا أرقامًا قياسية في الإضرابات يوم كانوا خارجَ السّلطة.. ثم استفاقتْ غرائزُهم، واستفحلت فضائحُهم، وظهَر ضُعْفُهم في تسيير شؤون البلاد، فارتفعتْ ديونُ [المغرب]، وازداد عددُ العاطلين، والفارّين عبْر البحار؛ صار [بنكيران] يُنفّذ تعليمات الشّمطاء [فرانسواز لا غارد] وخَصَم الثّلث من تعويضات الـمُتقاعدين، وها هو اليوم يَنْعم سُحْتًا بتقاعُد يساوي [7] ملايين شهريًا وكأنّه أوصلَ البلادَ إلى كوكب [المريخ] أو أبدعَ لِقاحًا خدَم به المغاربة وأشْفى مرضاهم؛ إنّها [الدّعوة إلى الله] ويا لها من دعوة مربحة؛ أمّا الفساد والفاسدون، فقد سالمهُم بمَقُولة [عفا الله عما سلَف].. أما الاضطرابات، والفتن، فقد كفَتْنا [الـمَلَكيةُ] شَرّها وأبحرتْ بالأمة إلى شاطئ الأمان؛ ولكنّ الانتخابات القادمة سوف تَكْفينا شرَّ [الإخوان] وسَيُحاكمون فردًا، فردًا إن شاء الله، وسَتُطوى صفحتهُم مرّةً واحدة وإلى الأبد.. [الربيع العربي] يُشْبه تمرُّدَ [سبارْتَكوس] الذي هيّجَ السّجناء، فخربُوا السّجون، وكسَّروا القُضبان، وتَبِعوه، فلم تَكُن لديه أيّ فكرة عن (الثورة) أو أيّ مشروع، فاستسلم في النهاية وأُعدِم أمام من صدَّقوه؛ وهكذا كانت نهاية من صدَّقوا (الرّبيع العربي)، لأنّ الثورة فكرة، ومشروع، وليستْ تمرُّدًا لا جدوى منه ولا مستقبل..

Exit mobile version