Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الشّعب الذي يَنشد الخبز لا يُنشِد الشِّعر

محمد فارس

عندما تنزل الأزماتُ بأمّة نزول الصّواعق، وتتكاثر المشاكلُ من كلِّ الأنواع، تلجأُ الأمّةُ إلى رجالِها الأفذاذ، وإلى علمائِها، وخبرائها، وهذا ما يسمّيه شيخ المؤرّخين [توينبي]: (التّحدي والاستجابة).. فمنذ انتصبتْ هذه الحكومةُ، ازدادتِ الأزماتُ حدّةً وشدّةً، فكان لابدّ من التّحدي وكانتِ الاستجابة مُحتَّمة ومطلوبة قبل فواتِ الأوان؛ لكنْ هلْ رئيسُ هذه الحكومة هو رَجُل تَحدٍّ واستجابة؟ الجواب: كلاَّ! فكيف ستُعوِّل على رئيس حكومة قام برلمانُه بسحْب كلّ ملفات الفساد من الرّفوف ومنع مناقشَتها؟ بدأ رئيسُ الحكومة عملَه، والمشاكلُ ظاهرة لِلعِيان مثل الصّناديق الاجتماعية كصناديق التّقاعد المهدَّدة بالإفلاس، فهل رأيتَه وقّعَ مرسومًا فوريًا واستعجاليًا يطالب الدّولة بتأدية حصّتِها وهو ما لم تفعلْه منذ السّتينيات؟ هل رأيتَه يطالب بمحاسبة من خرّبوا هذه الصّناديق وأرغمهم بردّ ما اختلسوه من أموال الكادحين المقهورين؟ فعَن أيّ استقرار يتحدّثون إذا انضمّ الـمُتقاعدون إلى فئة الفقراء الـمُعدَمين؟ هَلِ الزّرواطة كفيلة بحلّ هذا المشكل؟ الجواب: كلاّ!
ثمّ مشكلٌ آخر لا تُخْطِئُه العيْـنُ، وهو مشْكل الصّحافة الوطنية، ومع ذلك يتشدّقون بالدّيمقراطية؛ فهل هناك ديمقراطية مِن دون صحافة مُعارِضة وهي أهمّ للحكومة من الصّحافة الـمُوالية التي تَمتهِنها الألسنة الـمَجرورة، وتكتب فيها الأقلامُ المأجورة، ويُستضاف في دُورِها شعراء المدح والتّكسّب؟ فقد يقال إنّه ليس هناك موارد، ونحن نردّ قائلين: ولماذا هناك موارد لدَعْم أحزاب غُثائية، لا نَفْعَ فيها، كرهَها المواطنُ، وصام عن قراءة جرائدها؟ لا بدّ من مَنْع هذه الأحزاب من الدّعم، وتحويل هذا الدّعم إلى الصّحف، وإلى صناديق التقاعُد، قبل انهيارِها المفاجئ، وأما الأحزاب التي تعجز عن الإنفاق على شؤونها، فبإمكانها أن تحلّ نفسَها..
لقد تذرّعوا بأن ميرانية الدّولة لا تتحمّل (…)، ولكنْ ميزانية الدّولة تتحمَّل الأجورَ الباهظة والامتيازات الضّخمة، وشِراء السّيارات الفخمة والمستهلِكة لكمّيات من المحروقات في الوزارات، وفي المؤسّساتِ، وفي الجماعات المحلّية، وفي مقرّات الجهات، وفي الأكاديميات التّعليمية؛ ففي هذه الأمور يكون هناك سخاء، بل تبذير مُهْوِل.. ميزانية الدّولة تتحمّل تعويضات مدرّب الفريق الوطني الذي لم يحقّق شيئًا يجعله يستحقّ تلك الملايين شهريًا من أموال أُمّة منكوبة؛ لو قمنا بحساب لِـمَا قبضه مدرّبون فاشلون مثْل (روجي لومير، وغيريتس، ورونار، وحلّيلوزيتش) لحصلْنا على جبال شاهقة من الأموال الباهظة، ولأدركْنا سببَ فقْر هذا الشّعب الذي نُهِبتْ ثرواتُه لغياب مسؤولين صادقين، ولاكتشفنا أنّ الأزمات تعتبَر فرصًا لتكديس الثّروات، ولفهمْنا السِّر في تحكّم اللّوبيات في المحروقات، ورئيس الحكومة هو رئيسُها..
وتجِد إعلامَ التّضليل، وتلفزة الأكاذيب، يستخدمان الـمُهرّجين، والطّبالة في برامجَ تافهة، وفي كرة قدم استحالتْ إلى مخدِّر، فكثُر التّافهون والضّاحكون على الذّقون، ونحن نسألهم: كَم سيَلزمُكم من (لالة لعروسة)؟ كم ستَسْتوردون من المسلسلات الهابطة لإلهاء النّاس عن قضاياهم المصيرية؟ كم ستحتاجون من مباريات كرة القدم لصرف أنظار المواطنين عما يهمّهم؟ كم ستَخلقون من مهرجانات مجّانية كلُّها غناء ورقص، وهو ما قال فيه سبحانه وتعالى: [وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتري لَهْوَ الحديث]، سُئِل ابنُ مسعود عن هذه الآية فأجاب: (والله، إنّه الغناء).. الشّعب اليوم، يطالب بالخبز، والماءِ، والدّواء، والنقل، والتّعليم النّوعي لأبنائه، ويطالب بحكومة مسؤولة تَكون حارسًا ليليًا لحقوقه على حدّ تعبير [جون لوك].. الشّعب كما يقول [مَالْرو] يَقتاتُ بِالخبز، وليس بالكلمات.. الشّعب، كما يقول مفكِّرٌ مغربي، الذي يَنْشُد الخبز، لا يُنْشِد الشّعر.. والآن حلّ زمنُ الغلاء، والعطش، والأوبئة، وليس لنا حكومة حكيمة، وكُفْأَة، لها خيال، وعِلم، وعقلانية لتَبحُر بنا إلى شاطئ الخلاص؛ لكن لنا حكومة تُجّار، وسماسرة، وفاشلين، يقتاتون سُحْتًا من أموال شعْبٍ غُلبَ على أمرِه وضُحِك عليه بديمقراطية وهمية.

Exit mobile version