Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

العثماني والاستقالة التي لن تحدث

من آفات اللسان شهوة الكلام، وأخطرها شهوة الكلام السياسي، لأنه يختلط بالطموحات وبمحاولة الانتصار على الخصوم. فإذا لم يدرب رجل السياسة نفسه على ضبط لسانه مثلما يتعلم المشي على طريق “البيض” فإنه طبعا سيقع في الانزلاقات الخطيرة، بل الادعاءات التي لا دليل عليها واقعيا.
سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، قال مخاطبا البرلمانيين بمجلس المستشارين “كنت سأقدم استقالتي لو لم تنجح حملة اللقاح ضد كورونا”..في الواقع لو عوّل المغاربة على رئيس الحكومة لكانت كورونا اليوم وصلت إلى الأطفال لتفتك بهم، لأن الرجل في “خبر كان”، وهو ما زال منبهرا بالمنصب مادام يعتبر وصوله إلى رئاسة الحكومة معجزة في زمن خلا من المعجزات، لكن كان بإمكانه أن يظهر لنا كراماته في التسيير والتدبير الجاد.
فحرية القول لا تعني الكذب على المغاربة، مثلما حرية التعبير لا تعني تضليل الآخرين. عندما يقول العثماني “لو لم تنجح حملة اللقاح ضد كورونا لقدمت استقالتي” فهذا يعني معنى واحد أنه هو من أشرف على الحملة من أولها إلى آخرها. منطقيا هو لم يكن “لا في العير اللقاح ولا في نفيره”.
نعرف مجتمعين أن اللقاح ضد فيروس كورونا هو حملة وطنية يقودها جلالتها الملك محمد السادس من المبتدأ إلى الخبر، وحتى لو استعمل رئيس الحكومة كل أدوات “النصب” سيبقى المبتدأ مرفوعا..فلنحكي القصة من ألفها إلى يائها:
في البداية هاجم فيروس كورونا العالم، وسجل المغرب أول حالة يوم الثاني من مارس من السنة الماضية، وخلال 15 يوم ظلت الحكومة صامتة، بل إن رئيس الحكومة تورط في التهوين من خطورة الموقف، فتدخل جلالة الملك تحت عنوان “المواطن المغربي أولى من الاقتصاد” وأمر بإغلاق شامل استمر لمدة ثلاثة أشهر، كانت فرصة استعاد فيها المغرب أنفاسه ورتب كامل أوراقه من أجل استئناف الحياة “الحذرة”.
وأعطى جلالته تعليماته كي يتم تكوين لجنة علمية ولجنة اقتصادية، دور الأولى مراقبة التطور الوبائي والثانية مراقبة تأثير الوباء على الاقتصاد، كما أمر بتكوين صندوق لمحاربة كورونا، تم تمويله من مخصصات المواطنين، سواء ماديين أو معنويين، ووصل المبلغ الإجمالي إلى حوالي 33 مليار درهم، وهو رقم مهم تم من خلال تخصيص دعم للعائلات والأفراد المتضررين من الإغلاق.
ولم يقتصر الدور الملكي على مواجهة الجائحة، ولكن كان التفكير الاستيباقي يقتضي الحصول على اللقاحات في سوق تتميز بالمنافسة بل بالمكر والخديعة، ووسط بحيرة التماسيح الدوائية كان للمغرب نصيب من اللقاح بفضل رؤية جلالة الملك، الذي اتصل باكرا بالرئيس الصيني، وتم إثر ذلك توقيع اتفاقية مشاركة المغاربة في حملة التجارب السريرية التي تخول المغرب الحصول على الجرعات الأولى من اللقاح مما جعل بلادنا في مقدم البلدان الملقحة بأكثر من 20 مليون جرعة لحد الآن.
يبقى في الختام أن نقول حتى لو كان العثماني مسؤولا عن اللقاح، وفشلت الحملة، لا قدر الله، فإنه لن يقدم استقالته، لأن كثيرا من إخوانه هددوا بالاستقالة ولم يفعلوها وحطّم الرميد الرقم القياسي في ذلك.

Exit mobile version