رشيد لزرق
تميزت العشرية الأخيرة في كنف دستور 2011 بحكومات اتسمت بالضعف الدستوري، والحال أن النموذج التنموي الحالي هو مشروع وطني يلتف حوله الجميع. وبالتالي سيكون هذا المشروع معيارا لقياس مدى جدية الحكومات المقبلة ومدى قدرتها على مسايرة الاستراتيجيات الكبرى.
وعليه يمكن القول إن الاستحقاقات القادمة ينبغي أن تكون محكا لتنزيل هذا المشروع ومعالجة الملفات المهمة، وكذلك توفير البيئة المناسبة للاستثمار ومكافحة الفساد والبيروقراطية. فلا يمكن تصور نموذج تنموي دون رؤية واضحة للاستثمار، وعلى رأس الآليات التي ينجح بواسطتها هذا الأخير لابد من توفير بيئة يتمكن من خلالها من الانتعاش والتطور، وتحقيق الأهداف المنشودة..كل ذلك لا يتم في جو يهيمن عليه الفساد والبيروقراطية بما هي أحطبوط خطير ينمو على هامشه الاقتصاد غير المبدع، وإذا لم يتم القطع مع هذا النوع من الاقتصاد لا يمكن التعويل على النموذج التنموي.
ويضاف إلى آليات إنجاح هذا النموذج الدفع في اتجاه تنشيط الاقتصاد وتحقيق الاستقرار المالي، وبالتالي إن هذه الاستحقاقات بهذا المعنى مطالبة بإيجاد عوامل كثيرة وعناصر ضرورية، منها أساسا كسب ثقة المستثمرين بالحد من التضخم والاتجاه إلى تشكيل حكومة متضامنة قوية لتبديد حالة الغموض السياسي وعدم اليقين التي أصابت المجتمع وأربكته، وذلك بالعمل على توفير مناخ حر للتداول على السلطة، مناخ يتم فيه احترام القانون وحقوق الإنسان والمواطنة.
ويبدو لي أن هناك جبهة سياسية بدأت في التشكل والتكتل سياسياً ضد حزب العدالة والتنمية، على الرغم من تباين رؤى القوى السياسية المشاركة في هذه الجبهة، ولقد ظهر ذلك في التصويت على القانون الإطار وقانون القنب الهندي كذلك، خلال التصويت على القاسم الانتخابي. كما أن هناك معارضة شعبية ضدها بدأت تتنامى وتتسع.
عمليا من حق الأحزاب أن تتكتل وفق الشرط التاريخي واللحظة السياسية، وأن يجد حزب سياسي نفسه منعزلا وسط تقارب بين باقي الفرقاء السياسيين، لا يعني أنه مستهدف ولكن لأن توجه الأحداث والوقائع فرض عليه السلوك منفردا نتيجة الإحساس بالتضخم الذي يشعر به بعد نتائج الاقتراع في سنة 2016 التي منحته ربع مقاعد مجلس النواب.
ويبدو أن الوقت قد حان ليأخذ العدالة والتنمية حجمه الطبيعي المتناسب مع عدد أعضائه والمتعاطفين معه الذين لا يتجاوز عددهم 5% من عدد المشاركين في الانتخابات، ولا يمكن أن يبقى هذا الحجم مهيمنا على مجلس النواب. في وقت يعرف العدالة والتنمية تطاحنات تنظيمية كبيرة بين أجنحته، كما أن دور السلام السياسي قد تراجع دولياً وإقليميا، ومن المعلوم أنها تتأثر سلباً بهذه الأوضاع وبالمحيط الإقليمي، وهذا كله ينذر بانفجار تنظيمي، لا ينهي طبعا الحزب ولكن يعود به إلى سيرته الأولى كتنظيم هدف في أصله إلى إدماج جزء من الإسلاميين على عهد إدريس البصري وبتنفيذ من الدكتور الخطيب.
العدالة والتنمية يعود إلى سيرته الأولى
