توصلنا ككثير من المواطنين عبر التطبيقات السريعة بعريضة تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، بناء على ما هو موجود من معطيات تشير إلى الفساد وسط المسؤولين، وقرأنا بإمعان وتأن وبصبر رسالة “المؤثرة الفيسبوكية” ميساء سلامة الناجي، التي وقعتها بالمدونة والناشطة السياسية، ووسمتها بالرسالة المفتوحة إلى جلالة الملك محمد السادس من أجل “مقاطعتنا للانتخابات”، هكذا بنون الجماعة. على سبيل الجملة العارضة عرفنا ميساء “مؤثرة فيسبوكية” وبهذه الصفة تم الاستماع إليها من قبل لجنة النموذج التنموي، لكن ناشطة سياسية فهي صفة غريبة عن شخصية غير فاعلة في الحقل السياسي.
تضمنت العريضة كما تضمنت رسالة ميساء وصفا لفساد المسؤولين، وكله معروف لأتنه صادر في تقارير رسمية وشبه رسمية، وهي عناصر فساد موجهة لسياسيين متحكمين في دواليب الإدارة وبعض مؤسسات الدولة، لكن لابد من السؤال أو الأسئلة: من تخدم العريضة والرسالة؟ من سيستفيد من مقاطعة الانتخابات؟ ولماذا في هذه الظرفية بالضبط تنزل مشاريع الدعوة للمقاطعة، في وقت يتم فيه الاستعداد والإعداد للعمليات الانتخابية؟
ما يمكن أن يقال عن العريضة وعن الرسالة المفتوحة هو أنه كلمة يراد بها باطل: لماذا؟ لأنها تضمنت حقائق ووقائع لكن استخلصت منها ضرورة مقاطعة الانتخابات التي هي عملية غير بريئة وإن كانت بريئة فهي مضرة بالصحة السياسية والسلامة الديمقراطية.
جاءت العريضة كما الرسالة متضمنة لعدد من المعطيات حول فساد النخب السياسية في المغرب، والحقيقة أن تهم الفساد لا يمكن أن يؤكدها أو ينفيها في حق أي مسؤول أو غير مسؤول سوى القضاء، ولا يمكن تحويل كلام المجلس الأعلى للحسابات إلى سلطة منزهة، غير أنه لا ينبغي أن نبتعد كثيرا عن تخوم الحقيقة، لأن المجلس الأعلى للحسابات يضم أيضا قضاة ومنهجيته في العمل ترتكز على التحقيق في الاختلالات، تم الطلب من المعني الدفاع عن نفسه، ويتم تضمين التقارير بكل ذلك، وبما أن أغلب حالات الفساد المشار إليها في العريضة والرسالة مبنية على تقارير المجلس وفق هذه المنهجية وفي ظل عدم قدرة المعنيين على تقديم أجوبة مركزة وحقيقية تبقى لهذه التقارير المصداقية الكبيرة والقرب من الحقيقة.
كنا في النهار المغربية سبّاقين لتوجيه النقد للعديد من المسؤولين السياسيين والحكوميين، بشكل من الموضوعية التي لا ترى سوى الأسود والأبيض ولكن هناك ألوان ومناطق مختلفة، وانتقدنا كثيرا مسؤولين من العدالة والتنمية، الذين أشارت إليهم ميساء بشكل محتشم واكتفت بذكر واحد منهم فقط، ولم يكن رمزا بالقدر الكافي، وتحدثنا باكرا عن الفساد في الجماعات التي يسيرونها، وإن لم تكن ميساء تذكر ولعلها كانت في خبر كان يومها، أن جلالة الملك لما استقبل عبد الإله بنكيران، ليعينه رئيسا للحكومة عقب نتائج الانتخابات الأولى التي أعقبت دستور 2011، تم ذلك في مدينة ميدلت، التي كان رئيسها المنتمي للحزب الإسلامي، في السجن بتهمة ابتزاز مقاول، وذلك من أجل غرض واحد، حسب فهمنا، وهو رسالة إلى زعيم الحزب تريد أن تقول له: لستم ملائكة ولا شياطين، ولكنكم مواطنون فيكم الصالح والطالح. ولم تذكر ميساء كيف ظهرت آثار النعمة على قيادات حزب العدالة والتنمية، وتحولوا من فقراء إلى أثرياء؟ كيف أصبحوا بعد عشر سنوات من الحكومة من أصحابا الفيلات والسيارات الفاخرة والمشاريع الناعمة؟
وانتقدنا التجمع الوطني للأحرار منذ ما قبل الرئيس الحالي عزيز أخنوش وحتى قبل أن يكون في وارد الانتماء للحزب ناهيك عن أن يصبح رئيسا له، وانتقدنا حملته الدعائية، بطريقة شركات العلاقات العامة، التي تم تسميتها “100 يوم 100 مدينة”، التي تحولت إلى “100 يوم 100 جولة سياحية”، لأن الذين حضروا اللقاءات بهذه المدينة هم الذين حضروا بتلك، بمعنى أنها لم تستهدف تأطير المواطنين، ولم تبحث عن النخب بدليل أن الوجوه التي جاء بها أخنوش من إدارات شركاته لتسيير التجمع هي نفسها المهيمنة اليوم، ولم يبق من القيادات القديمة سوى من تبنى مدح الرئيس الجديد مثل محمد أوجار ورشيد الطالبي العلمي، أمام من رفضوا الطريقة المقاولاتية في تدبير الشأن الحزبي فقد تم إبعادهم أو طردهم.
وتحدثنا في النهار المغربية عن أمور تفصيلية غير واردة لا في العريضة ولا في الرسالة مثل تحويل المخطط الأخضر إلى مخطط أسود، وتحويل التعاونيات الفلاحية البسيطة إلى كنفدراليات لجلب الدعم الأجنبي، الذي لم يستفد منه الفلاح الصغير، وتحويل القوانين إلى داعم إلى مشاريع شخصية.
ليس من حق أحد التحجير على آخر في مواقفه، لكن حق مناقشتها متاح بحكم اقتسام هذه الجغرافية. من حق ميساء أن تدعو إلى مقاطعة الانتخابات ومن حق العريضة كذلك؟ لكن السؤال المحرج: من هو الرابح من المقاطعة؟ بما أن العملية الانتخابية ماضية ولا يمكن إيقافها فلن يستفيد الشعب من الانتخابات، لكن عبر العملية الديمقراطية يمكن زحزحة الفاسدين مستقبلا من مواقعهم. الرابح الوحيد من المقاطعة هو الأحزاب ذات التنظيم المحكم، بمعنى من يضمن تصويت “زبنائه الناخبين” سيفوز بالمرتبة أو الثانية، التي تخوله التفاوض من أجل الحكومة.
لكن صوتنا أو قاطعنا، ستتم العملية الانتخابية، وسيكون الاختلاف فقط في أرقام المصوتين، لكن لا يمكن تصور بلد ديمقراطي دون انتخابات. نرضى عنها أو نرفضها شأن آخر. لكن قيام العملية ضروري لوجودنا السياسي. التغيير مطلوب لكن عبر تكثيف المشاركة لا المقاطعة.
من يدعو للمقاطعة واحد من إثنين: شخص ثوري ولا غرض له بالانتخابات، أو داعية للدكتاتورية أو الاستبداد السياسي بمعنى الحكم الفردي وأن شخصا واحدا هو من يعين الجميع ويراقب الجميع، وهذا أمر لا يرضاه جلالة الملك ولا ترضاه البيئة السياسية وغير مقبول ديمقراطيا.
العريضة الانتحارية…مايسة وكلمة الحق التي يراد بها الباطل
