Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الغناء الفاحش ساهم في سقوط دولة العبّاسيين

محمد فارس
هل تعلم سيدي القارئ الكريم أنّ الغناء الفاحش ساهم في سقوط دولة العبّاسيين، وفي زوال دولة العرب في الأندلس؟ هذه حقائق تاريخية لن تسمعها في أية قناة فضائية، ولن تقرأها في أية جريدة عربية، لأنّ جلّ وسائل الإعلام الأكثر مشاهدة هي تلك التي احترفت التفاهات، واختارت السّفاهات، لأنها تعرف أن أكثرية المشاهدين تافهون ومعظمهم سُخفاء تعطّلت عقولهم ونشطَت غرائزهم، ونحن العرب، منذ القِدم، سحَرنا الغناء والرّقص والطّرب حتى لإنّ عالـمًا وإمامًا كبيرًا سمِع جاريةً تغنّي، فسحَره غناؤُها وهو التّقيُّ الورع، فقال: [لو غنّت هذه الجارية حول الكعبة، لجاز]، ولا تَسْألني من هو هذا الإمام، ولأسباب وجيهة لن أذْكر اسمَه فمعْذِرة! أنت تعلم أن المؤرّخين أجمعوا على أن الأمم الراقصة، لا مستقبل لها، بلِ المستقبلُ للأمم الغاضبة، وأنتَ تَرى أنّ ما فعله مغنّي [الرّاب] لم يثِرْ غضبًا ولا أثار غضَب حكومتنا. فمهرجان [بولْڤار] كلّف (08) مليارات تمامًا كما كان المغنّون يكلّفون بيتَ مالِ المسلمين مِليارات خلال القرون الغابرة، وسنرى ما قاله التاريخ، فهذه الأموالُ التي تُهدر في الغناء، والرقص ليست بالأمر الجديد، بل ذلك التّبذير الأحمق عُرف منذ قرون، وسنورد أشياءَ مُضحكة ذَكَرها التاريخ، وهذه بإيجاز قصة الغناء..
لـمّا جاء الإسلام، واستولى العربُ على ممالك الدنيا وحازُوا سلطان العجم والروم، كانوا في عصر الراشدين لا يزالون على بداوتهم مع غضارة الدّين وشدّته، مما يدعو إلى تَرك أحوال الفراغ وما ليس نافعًا في دينٍ ولا معاش، حتى تركوا ما كان عندهم من أنغام الجاهلية، ولم يكن الملذوذ عندهم إلا ترجيعُ القراءة والتّرنم بالشعر؛ فلما جاء التّرف في أيام بني أميّة، وغلب عليهم الرَّفَه بما حصل لهم من غنائم الأمم، صاروا إلى نضارة العيش ورقّة الحاشية واستحلاء الفراغ، وكان المغنّون من الروم والفرس قد دخلوا في سُلطان العرب، وحُمِل بعضهُم إلى الحجاز في جملة الأسرى أو السبايا، فأصبحوا من موالي العرب، وقد حملوا معهم العيدان، والطّنابير، والمعازف، والمزامير، فغنّوا بها..
أُعجِب العربُ بألحانهم، فاشتغل المغنّون، وأكثرهم من الموالي في تلحين أشعار العَرب على الألحان الفارسية أو الرومية، فنبغ في المدينة في أيام بني أُميّة طائفة من المغنّين، والمشهورُ أنّ أول من أَدخل غناء الفُرس إلى العربية، هو [سعيد بْنُ مسحج]، وهو مكّي أَسْوَد كان في مكّة لما حاصَرها الأمويون، وفيها [ابْنُ الزبير] في أواخر القرن الأول للهجرة، فاستَقدم [ابنُ الزبير] بعض البنائين من الفُرس لترميم الكعبة، فسمعهم [سعيدُ بن مسحج] يغنّون بالفارسية، فالتقَط النغم، وغنّاهُ بالعربية، فأعجب الناس كثيرًا، فسافر إلى الشام، وفارس، فأتْقَن فنّ الغناء، وعنه أخذَ من جاء بعده من مُغنّي المدينة وغيرها.. وتكاثر المغنّون لِـما شهدوه من رغبة الخاصّة في الغناء، فنبغ جماعة من مهَرة الموسيقيين أتْقَنوا هذه الصناعة وآلاتِها إتقانًا حسنًا.. وسنرى في الفقرة الآتية، انتشار المغنّين في الإسلام، وما كان من مَنزلتِه ومنزلتهم..
كان الغناء في صدر الإسلام مكروها إن لم نقُلْ محرّما، واختلفَ الأئمّةُ في تحريمه وتحليله كلّه أو بعضه، ويقال بالإجمال إن أهل الحجاز أجازوه، وأهل العِراق كرهوه، وحجّة من أحلّه، أنّ أصله الشّعر الذي استحسنَه النبي صلى الله عليه وسلم، وحضّ عليه، وندب أصحابه إليه، واستَنصر به على المشركين، فقال لحسّان شاعِره: [شنَّ الغارةَ على بني عبد مناف، فوالله لشعركَ أشدّ عليهم من وقْع السِّهام في غلس الظّلام].. وأمّا حُجّة من حرّمَه، أنّه يسعر القلوب، ويستفزّ العقول، ويسْتَخفّ الحليم، ويبعث على اللهو، ويحضّ على الطرب، وهو باطِل من أصلِه، وحلّل آخرون بعضَ الغناء، وحرّموا بعضَه، ولكن أهل التّقوى والتعقّل كانوا يكرهونه في كلّ حال، ولذلك لم يَظهر إلا بعد عصْر الراشدين، وكان [معاوية] يعيب على الراغبين في الغناء، ولاسيما أهل الوجاهة والشرف، وله مع (عبد الله بن جعفر) حكاية تدلّ على أنه كان يعيب عليه استماع الغناء، وإنْ سَرَّه اشتغال هذا وسِواه من أهل النّبي باللّهو والطّرب عن مقاومته في طلب الخلافة، بلْ هو، يعني (مُعاوية) كان يبذل لهم الأموال في هذا السبيل.. ولـمّا تولى الخلافة أصحابُ اللّهو والقصف، أخذ الغناءُ في الانتشار، وذاك موضوع سنتركُه لِـمقالة الغد نظرا لضيق الرّقعة؛ فمعذرة!

Exit mobile version